(يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) مُكَلَّفٍ (حِفْظُ إِسْلامِهِ وَصَوْنُهُ عَمَّا يُفْسِدُهُ وَيُبْطِلُهُ وَيَقْطَعُهُ وَهُوَ الرِّدَّةُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ تَعَالَى) وَذَلِكَ لأَنَّ الْكُفْرَ هُوَ أَعْظَمُ الذُّنُوبِ وَهُوَ الذَّنْبُ الَّذِي لا يَغْفِرُهُ اللَّهُ لِمَنْ مَاتَ عَلَيْهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء. (قَالَ) الْحَافِظُ يَحْيَى بنُ شَرَفٍ (النَّوَوِيُّ1) الْمُتَوَفَّى سَنَةَ سِتِّمِائَةٍ وَسِتٍّ وَسَبْعِينَ (وَغَيْرُهُ) مِنَ الْعُلَمَاءِ (الرِّدَّةُ أَفْحَشُ) أَيْ أَقْبَحُ (أَنْوَاعِ الْكُفْرِ) أَىْ منْ حَيْثُ إِنَّهَا تُحْبِطُ كُلَّ الْحَسَنَاتِ وَمِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا انْتِقَالاً مِنَ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا أَشَدُّ الْكُفْرِ فِي كُلِّ الأَحْوَالِ (وَقَدْ كَثُرَ فِي هَذَا الزَّمَانِ) عِنْدَ الْجُهَّالِ مِنَ النَّاسِ (التَّسَاهُلُ فِي الْكَلامِ حَتَّى إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ بَعْضِهِمْ أَلْفَاظٌ) كُفْرِيَّةٌ (تُخْرِجُهُمْ عَنْ) دِينِ (الإِسْلامِ وَلا يَرَوْنَ ذَلِكَ) الْكَلامَ الْكُفْرِيَّ (ذَنْبًا فَضْلاً عَنْ كَوْنِهِ كُفْرًا) فَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مَا زَالُوا مُسْلِمِينَ (وَذَلِكَ مِصْدَاقُ) أَيْ وَتَحْقيِقُ (قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ) أَيْ مِنَ الْكُفْرِ (لا يَرَى بِهَا بِأْسًا) أَيْ لا يَظُنُّهَا ضَارَّةً لَهُ (يَهْوِي بِهَا) أَيْ بِسَبَبِهَا (فِي النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا أَيْ مَسَافَةَ سَبْعِينَ عَامًا فِي النُّزُولِ وَذَلِكَ مُنْتَهَى) قَعرِ (جَهَنَّمَ وَهُوَ خَاصٌّ بِالْكُفَّارِ) كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ النُّصُوصُ الشَّرْعِيَّةُ (وَ) هَذَا (الْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ2) فِي جَامِعِهِ (وَحَسَنَّهُ وَفِي مَعْنَاهُ حَدِيثٌ رَوَاهُ) الشَّيْخَانِ (الْبُخَارِيُّ3 وَمُسْلِمٌ4) وَنَصُّهُ إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ اهـ وَحَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ مُفَسِّرٌ لَهُ. (وَهَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لا يُشْتَرَطُ فِي الْوُقُوعِ فِي الْكُفْرِ مَعْرِفَةُ الْحُكْمِ) لأِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمَ عَلَى قَائِلِ الْكَلِمَةِ الْكُفْرِيَّةِ بِالْعَذَابِ فِي قَعْرِ النَّارِ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ عَالِمٍ بِالْحُكْمِ لأِنَّهُ لا يَظُنُّ فِيهَا ضَرَرًا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، فَيُعْلَمُ مِنْ هُنَا أَنَّ مَنْ قَالَ كَلامًا كُفْرِيًّا وَهُوَ يَفْهَمُ مَعْنَى اللَّفْظِ كَفَرَ سَوَاءٌ عَرَفَ أَنَّ كَلامَهُ كُفْرِيٌّ أَمْ لَمْ يَعْرِفْ (وَلا) يُشْتَرَطُ أَيْضًا لِلْوُقُوعِ فِي الْكُفْرِ (انْشِرَاحُ الصَّدْرِ( فَمَنْ قَالَ كَلامًا كُفْرِيًّا كَفَرَ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُنْشَرِحِ الصَّدْرِ (وَلا) يُشْتَرَطُ (اعْتِقَادُ مَعْنَى اللَّفْظِ) فَمَنْ قَالَ الْكَلامَ الْكُفْرِيَّ بِإِرَادَتِهِ كَفَرَ وَلَوْ كَانَ لا يَعْتَقِدُ مَعْنَى الْكَلامِ الَّذِي قَالَهُ كَمَنْ يَقُولُ يَا ابْنَ اللَّهِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ وَهُوَ لا يَعْتَقِدُ لِلَّهِ ابْنًا.
وَخَالَفَ فِيمَا ذَكَرْنَا سَيِّدُ سَابِقٍ5 الْمِصْرِيُّ (كَمَا يَقُولُ) فِي (كِتَابٍ) لَهُ سَمَّاهُ (فِقْهَ السُّنَّةِ) إِنَّ الْمُسْلِمَ لا يُعْتَبَرُ خَارِجًا عَنِ الإِسْلامِ وَلا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالرِّدَّةِ إِلاَّ إِذَا انْشَرَحَ صَدْرُهُ بِالْكُفْرِ وَاطْمَأَنَّ قَلْبُهُ وَدَخَلَ فِي دِينٍ غَيْرِ الإِسْلامِ بِالْفِعْلِ اهـ وَيَكْفِي فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ الْمَذْكُورِ ءَانِفًا. (وَكَذَلِكَ لا يُشْتَرَطُ فِي الْوُقُوعِ فِي الْكُفْرِ عَدَمُ الْغَضَبِ كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ) الْحَافِظُ (النَّوَوِيُّ) حَيْثُ (قَالَ لَوْ غَضِبَ رَجُلٌ عَلَى وَلَدِهِ أَوْ غُلامِهِ) أَيْ عَبْدِهِ (فَضَرَبَهُ ضَرْبًا شَدِيدًا فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ) كَيْفَ تَضْرِبُ وَلَدَكَ أَوْ غُلامَكَ هَذَا الضَّرْبَ الْمُبَرِّحَ الْمُحَرَّمَ (أَلَسْتَ مُسْلِمًا فَقَالَ لا) لَسْتُ مُسْلِمًا (مُتَعَمِّدًا) أَيْ لا عَلَى وَجْهِ سَبْقِ اللِّسَانِ (كَفَرَ) لأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ الْكَلامَ الْكُفْرِيَّ بِإِرَادَتِهِ (وَ) هَذَا الْحُكْمُ أَيْ أَنَّهُ لا يُشْتَرَطُ لِلْوُقُوعِ فِي الْكُفْرِ عَدَمُ الْغَضَبِ (قَالَهُ غَيْرُهُ) أَيِ غَيْرُ النَّوَوِيِّ مِنَ الْعُلَمَاءِ (مِنْ حَنَفِيَّةٍ وَغَيْرِهِمْ).
-------------