من كتب العلّامة الهرري كتاب جامع الخيرات - الجزء الثاني
 بيان معنى قوله تعالى: ولذكر الله أكبر

الدرس الثانـى عشر
بيان معنى قوله تعالى: ﴿ولَذِكْرُ اللهِ أكبرُ﴾

جامع الخيرات - الجزء الثاني

جامع-الخيرات
درس ألقاه الـمـحدث الشيـخ عبد الله بن مـحمَّد العبدرىّ رحمه الله تعالى فِى وهو فِى بيان معنـى: ﴿ولَذِكْرُ اللهِ أكبرُ﴾.
قال رحمه الله رحمةً واسعةً:
الـحمد لله والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.
أما بعد فيقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ1 معنـى وَلَذِكْرُ اللهِ أكبرُ ذِكْرُ الله عبدَهُ أكبرُ مِن ذِكْرِ العبدِ رَبَّهُ.
    ويـجوز أنْ يُفَسَّرَ بأنَّ ذِكْرَ اللهِ الذِى فِى الصَّلاة أفضلُ مِن سائرِ أعمالِها لأنَّ الصَّلاةَ مؤلَّفةٌ مِن أمرين ذِكْرٌ باللسان وعَمَلٌ بالبدن فأمر الصَّلاةِ الذِى هو ذِكرٌ باللسان أفضلُ مما سواه مِن أعمالـها. مِن جُملة الذّكْرِ الذِى فِى الصَّلاة الشهادتان وهما فِى التَّحِيِّات أليس يُقالُ ءاخِرَ التحيات: أشهدُ أنْ لا إله إلَّا الله وأشهدُ أنَّ مـحمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ، فهذه الأذكارُ التِى فِى الصَّلاة بـما فيها هاتان الشهادتان أكبرُ مِن سائر أعمالـها التِى هِىَ الـقيامُ والركوعُ والسجودُ لكون الأذكارِ أذكارِ الصَّلاةِ تَشْتـملُ على الشهادتين اللتَيْنِ هما أفضلُ الأعمال وعلى غيرهما. الشهادتان لهما فضلٌ كبيرٌ فَضْلُهُمَا يزيدُ على فضل سائر الأعمال لأنَّ الشهادتين بهما يَدْخُلُ الإنسانُ بالإسلامِ فلو سجد الإنسانُ بنية الدخول فِى الإسلام لا ينفعُهُ هذا السجودُ، ولو ركعَ ركوعًا بنية الدخول فِى الإسلام لا يَدْخُلُ فِى الإسلام بالركوع، ولو قام وَوَضَعَ إحدَى الكَفَّيْنِ على الأُخرى لا يَدْخُلُ فِى الإسلام، إنّما يَدْخُلُ فِى الإسلام بالشهادتين أشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وأشهدُ أنَّ مـحمدًا رسولُ الله، وكذلك مَن كان مسلـمًا ثم كفر خَرَجَ بالكُفْرِ فطريقُ العودة إلى الإسلام الشهادتان، مِن غيرِ الشهادتين لو تَصَدَّقَ أعظمَ صدقةٍ لا يَدْخُلُ فِى الإسلام ولو تَخَلَّى عن جميعِ مالِهِ. الإنسانُ إذا كَفَرَ سَبَّ اللهَ أو سَبَّ رسولَهُ أو سَبَّ الـقرءانَ أو سَبَّ الـملائكةَ أو الأنبياءَ وأرادَ الرجوعَ إلى الإسلام لا يَرْجِعُ إلَّا بالشهادة أشهدُ أنْ لا إله إلَّا اللهُ وأنَّ مـحمَّدًا رسولُ اللهِ مِن غيرِ ذلك لا يَعُودُ إلى الإسلام، فلذلك الذّكْرُ الذِى فِى الصَّلاةِ أفضلُ مِن سائرِ أعمالِ الصَّلاةِ. هذا التفسيرُ الثانِى لقول الله تعالى وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ.
ليس معنـى الآية أنَّ الذِى يَقْعُدُ فيقولُ الله الله خمسةَ ءالافِ مَرَّةٍ عشرةَ ءالافِ مَرَّةٍ أو يَمْدَحُ الرسولَ أو يُنْشِدُ الـقصائدَ فِى مَدْحِهِ أنَّ ذلك أفضلُ من الصَّلوات الـخمس التِى تبتدئُ بالتكبير وتختـم بالتسليم بل الصلواتُ الـخمسُ أفضلُ الأعمالِ بعدَ الإيمان بالله ورسوله.
جاء رجلٌ إلى النبىّ صلى الله عليه وسلـم قال يا رسولَ الله ما أفضلُ الأعمالِ؟ قال: "الصَّلاةُ" ثم قال الرجلُ ثمَّ ماذا؟ قال: "الصَّلاةُ" ثم ماذا؟ قال: "الصَّلاة" ثم قال الرجل الـمرة الرابعة ثم ماذا؟ قال: "الـجهاد فِى سبيل الله" اهـ2 أما قولُ: الله الله الله الله بالـقلب مع إطباقِ اللسان على الـحنك أو يقول نُطْقًا: الله الله فهذا ليس أفضلَ الأعمال لأنه لـم يُرْوَ أنَّ الرسولَ كان يقول: الله الله الله لكنه فِى حَدّ ذاتِهِ فيه ثوابٌ. إذا إنسانٌ قال: الله الله الله فِى قلبه له ثوابٌ وبلسانه أيضًا إذا قال له ثوابٌ لكنْ لا يُقال عنه أفضلُ الأعمال.
هِىَ الصَّلواتُ الـخمسُ سُمّيَتْ ذِكْرًا فِى الـقرءان، قال الله تعالى: ﴿يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْاْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ3 ذِكْرُ اللهِ هنا هى الصَّلاةُ أى مع ما يَتَقَدَّمُها مِن الـخُطْبَتَينِ لأن الـخطبتين فرضٌ الـخطبتان اللتان قبل الصَّلاة يومَ الـجمعة فرضٌ الـخطبتان ذِكْرُ الله والصَّلاةُ ذكر اللهِ، اللهُ تبارك وتعالى قال: ﴿فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾4 هذا دليلٌ على أنَّ الصلاةَ تُسَمَّى ذِكْرًا.
بعضُ الناس يُمَوّهُونَ فيقولون الذّكْرُ وَرَدَ فِى الـقرءان بثلاثِمائةٍ وزيادةٍ مِن الـمواضع وأما الصَّلاةُ فقد ذُكِرَتْ أقلَّ مِن هذا العدد فالذكر أفضلُ مِن الصَّلاة، هؤلاء دَجَّالُونَ قد خرجوا مِن دين الله. هؤلاء كذَّبوا شريعةَ الله. الذِى يقول إنَّ الذِى يذكرونَهُ هم أفضلُ من الصَّلوات الـخمس فقد كَذَّبَ اللهَ ورسولَهُ. هؤلاء يـجبُ عليهم أن يَرْجِعُوا مِن الكفرِ الذِى كَفَرُوهُ إلى الإسلام وإلا فإنهم يموتون كافرين. مشايـخُ الطريقَةِ لا يقولونَ هذا. مشايـخُ الطريق الـمُعْتـمدُونَ الذِى عليهم الـمُعَوَّلُ لا يقولون هذا إنـما بعضُ مَن يَنْتَسِبُ إلى الطَّرِيقَةِ ويُدَجّلُ تَدْجِيلًا هُمُ الذين يقولونَ هذا الـقولَ لهوًى فِى أنفسهم. الذين يقولون هذا تَعَوَّدوا أن يأخذوا الـهدايا مِن مُرِيدِيهِم فلـم يَجِدُوا وسيلةً يَجْلِبُونَ بها الناسَ إلى أَخْذِ طريقتِهم إلا أنْ يَدْعُوهم باسْمِ الذّكْرِ ويَفْتَرُوا على الله بإيرادِ هذه الآيةِ فِى غير موضعها ليقول من يسمعهم مِن الناس الشديدِى الـجهلِ إذا كان وِرْدُنَا هذا وهو أنْ نَذْكُرَ اللهَ خمسةَ ءالافِ مرةٍ بقلوبنا نقولُ الله الله أفضلَ من الصلوات الـخمس وإذا حافظنا على ذلك وتَصَوَّرْنَا صورةَ الشيـخِ نكونُ أَخَذْنَا النورَ مِن قَلْبِ الشَّيْخِ الذِى هو يأخذُ النورَ مِن قَلْبِ الرسولِ نكونُ صِرْنَا أفضلَ خَلْقِ اللهِ صِرْنَا أولياءَ الله اهـ هكذا يوهمونهم وليس قَصْدُهُمْ مِن هذا إلا أنْ يَظَلُّوا خاضعين لهم أنْ يَظَلُّوا كثيرين عَدَدًا حتى تَكْثُرَ الـهدايا. ليس هَمُّهم فِى الـحقيقة تقريبَ الناسِ إلى الله تعالى. لو كان هَمُّهم تقريبَ الناسِ إلى الله كانوا عَلَّمُوهُم الأمورَ على حسب ما جاء مِن الرسول.
رسولُ الله صلى الله عليه وسلـم قال الذِى ذكرتُ لكم ءانِفًا لـما سُئِلَ عن أفضل الأعمال قال الصلاةُ ثلاثَ مراتٍ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلـم إذا جاءه إنسانٌ دخل فِى الإسلام أول ما يدخل فِى الإسلام يُعَلّمُهُ الصَّلاةَ، يُعَلّمُهُ الصلاةَ قَبْلَ أنْ يُعَلّمَهُ الزكاةَ قبل أنْ يُعَلّمَهُ الصيامَ قبل أنْ يُعَلّمَهُ الـحجَّ، قبل أنْ يُعَلّمَهُ سائرَ الأشياءِ يُعَلّمُهُ الصلواتِ الـخمسَ وهذا دليل أيضًا على أنَّ الصَّلاة أمرُها عظيم عند الله، دليلٌ على أنَّ مَوْقِعَ الصَّلاة من الدين عظيم. فالـحذرَ الـحذرَ مِن هؤلاء الـمشايـخ الذين يُعَلّمُونَ مُرِيدِيهم هذا الكلامَ الفاسدَ أنّ الذكر الذِى هم تَعَوَّدُوهُ أفضلُ مِن الصلوات الـخمس، هذا تَدْجِيلٌ وكُفْرٌ والعياذ بالله تعالى.
وليس هذا مِن أصول الطريقةِ. أصولُ الطريقةِ ليس فيها هذا الشىءُ إنـما بعضُ الـمشايـخ الـمُدَّعِينَ الكَذَّابِينَ الذين هَمُّهُمُ الـمالُ هم الذين يُعَلّمون هذا الكلامَ الفاسدَ لـمريديهم لكونِ هؤلاء الـمريدين لـم يتعلَّموا عِلْمَ الدين فَيَسْتَجْلِبُونَ منهم الأموالَ بهذه الطريقة ثم يتبينُ لهم يومَ الـقيامَةِ أنهم لَيْسُوا على شَىْءٍ. هؤلاء من الذين قال الله فيهم: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)5 هذه الآيةُ تَشْمَلُ هؤلاء الرُّهبانَ والرَّاهِباتِ وتشمل حاخامات اليهود وتشمل هؤلاء البُوذِيّين وهؤلاء الذين يقولون وِرْدَ الطريقةِ الذِى هو أن يُطْبِقُوا ألسنتهم على الـحنك ثم يقولوا فِى قلوبهم الله الله خمسةَ ءالافِ مرةٍ مع إطراق الرأسِ وتَغْمِيضِ العيونِ أفضل من الصلاة، هؤلاء وأولئك الآخرون الرُّهبان والراهبات الذين يريدون أنْ يَتَقَرَّبُوا إلى الله بغير ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلـم كلُّ هؤلاء مِن الذين تَخِيبُ أعمالُهم يوم الـقيامة. كانوا يَظُنُّونَ فِى الدنيا أَنَّهُم جَمَعُوا لآخرتهم ذُخْرًا كبيرًا وليس لهم عند الله تعالى شىءٌ مِن الثواب. هناك يتبين لهم أنهم خاسرون أنهم ليس لهم شىءٌ مِن الثواب. هناك يَعْرِفُونَ أنهم حُرِمُوا مِن الثواب. وفِى ذلك الوقتِ أى فِى الآخرة لا يَنْفَعُهُمُ الندمُ. كلُّ مَن يُحاوِلُ التقربَ إلى الله على خلاف ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلـم فقد خاب عملُهُ وليس له فِى الآخرة إلا الندمُ وذلك لأنَّ النفوسَ خبيثةٌ إلا مَن طَهَّرَ اللهُ تعالى نُفُوسَهُم. كثيرٌ مِن الناسِ الذين يَدَّعُونَ الولايةَ كَذَبُوا على الرسول صلى الله عليه وسلـم للتوصل إلى أغراضِهِم الدنيويةِ، حتى إنّ منهم مَن كذَب على الرسول صلى الله عليه وسلـم فقال لبعض الناس رأيتُ الرسول صلى الله عليه وسلـم فِى الـمنام فأمرك أن تزوجنِى بنتك، مِن أجل الوصول إلى غرض الزواج كذبوا على الرسول افتَرَوا على الرسول صلى الله عليه وسلـم وهم يَدَّعُونَ الطريقةَ والـمشيـخة والولاية، يقولون نحن أهل الطريقة نحن صوفيةٌ لكن نفوسُهم خبيثة يُظْهِرونَ للناس بألسنتهم وأَزْيَائِهم أى مِن حيثُ اللباسُ أنهم مِن أهل الله وهم مِن أعداء الله، هنا كان رجلٌ مُتَوَفَّى منذ سنينَ أَعْرِفُهُ كَذَبَ على شخص من الطيبين مِنْ أهل الله افترَى قال هذا رقيقُ الـقلب إذا قلتُ له الرسولُ يأمرُكَ بأنْ تُزَوّجَنِى بنتك يُزَوّجُنِى لايُخالِف فافترى على الرسول صلى الله عليه وسلـم فَزَوَّجَهُ، هنا كان فِى بيروت ذلك الرجلُ أنا أعرفه، وفِى دمشق أيضًا حصل وفِى غيرهما أىْ غير بيروت ودمشق أيضًا حصل فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.
أما أهل الطريقة الصادقون فإنهم بعيدون مِن هذا الافتراء. كلُّ طرق أهل الله دخل فيها أناسٌ كذّابون أما الذين أَسَّسُوا هذه الطرق فكلُّهم أولياءُ الله كلُّهم أهل الصدق والنصيـحة والإخلاص، إن كانت الطريقة الرفاعية وإن كانت النقشبندية أو كانت الـقادرية وإن كانت غير ذلك مِن طرق أهل الله كلُّها أُسّست على تقوَى الله لكنَّ الـمنتسبين إليها قسمان قسمٌ صادقون وقسمٌ كاذبون والصنفُ الكاذبون هم الذين يفترون هذه الافتراءات مِن أجل مطامع نَفْسِيَّةٍ، لأغراض نَفْسِيَّةٍ يكذبون على الله وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلـم. بعضُ هؤلاء الكذابين الذين يَدَّعون الطريقةَ وليسوا من أهل الطريقة قال: هذا الذّكْرُ الذِى نحن عليه أفضل مِن الصلوات الـخمس حتَى يزدادَ الـمريدون تَعَلُّقًا بهم وحتّى يُصْغُوا لهم ويَبْذُلوا لهم الأموالَ. وعندهم أيضًا من الاحتيال لأخذ أموال الـمريدين أشياءُ أخرى مِن جملتها يقول أحدهم للـمريد الـمـحبةُ بلا إنفاقٍ نِفاقٌ معناه إذا لـم تبذلوا لنا من أموالكم لا تَرْتَفِعُ درجاتُكم هذا يـجعلونه حديثًا والعياذُ بالله تعالى. هذا هم افتَرَوْهُ مِن أجل أن يستلـموا أموال الناس كذبوا على الله وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلـم.
انتهى والله تعالى أعلـم.
------------------

1- سورة العنكبوت/الآية (459).ِ
2- رواه ابن حبان في صحيحه في باب ذكر الخبر الدَّال على أن الصَّلاة فريضة.
الحديث عند الترمذي غيره.
3- سورة الجمعة/الآية 9.
4- سورة الجمعة/ الآية 9.
5- سورة الكهف/ الآية (103-104).


جامع الخيرات
الجزء الثاني

قائمة جامع الخيرات 2