من كتب العلّامة الهرري كتاب جامع الخيرات - الجزء الثاني
 الله ليس حجمًا ولا يتصف بصفات الـحجم

الدرس الثانـى والثلاثون
الله ليس حجمًا ولا يتصف بصفات الـحجم

جامع الخيرات - الجزء الثاني

جامع-الخيرات
    درس ألقاه الـمـحدث الأصولِىّ الشيـخ عبد الله بن مـحمَّد العبدرِىّ رحمه الله وهو فِى بيان أن الله ليس حجمًا ولا يتصف بصفات الـحجم.
قال رحمه الله تعالى رحمة واسعة:
الـحمد لله ربَّ العالـمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الـحسن وصلوات الله البرّ الرحيم والـملائكة الـمقربين على سيِّدنا مـحمَّد أشرف الـمرسلين وسلامه عليه.
أما بعـد فالله تعالى خالـق العالـم كله خالـق الأجسام اللطيفة والكثيفة وخالـق صفات الأجسام كالـحركة والسكون والكون فِى جهةٍ ومكانٍ فالله تعالى لا يـجوز عليه الـمكانُ والـمكانُ هو الفراغ الذِى يشغله الـحجم وهذا لا يـجوز على الله، يـجوز على الإنسان ونحوه. الآن الإنسان عندما يـجلس يأخذ مكانًا من الفراغ هذا مكانه ليس الـمكان شيئًا صلبًا يعتـمد عليه فقط، الفراغ الذِى يَحْوِى جسمًا يسمى مكانًا.
من قال الله متصل قاعد على العرش أو قال منفصلٌ قاعد على العرش كلاهما أثبتا الـمكان لله وهذا كفر. العرش واقف فِى الفراغ والسماء واقفة فِى الفراغ وهذه الأرض واقفة فِى الفراغ كلُّ هذا مكانٌ والله تعالى منزهٌ عن ذلك لا هو واقفٌ فِى الفراغ ولا هو معتـمدٌ على شَىْءٍ صُلْبٍ كما نحن نعتـمد على شَىْءٍ صُلْبٍ. الله تعالى كان قبل الفراغ وقبل هذه الأشياء الصلبة وقبل الأشياء اللطيفة كالضوء والظلام لأنه ليس حجمًا كالإنسان أو كالريـح ولو كان كذلك لكان له مكان فِى الفراغ. كل هذا مخلوق لـم يكن ثم كان.
أهل السنة يقولون: "كان الله ولا مكان" معناه أنه كان قبل الأجرام اللطيفة وقبل الأجرام الصلبة كالعرش والسموات قبل هؤلاء كلهم كان موجودًا من غير أن يكون مستقرًّا على فراغ أو حجم صلب.
أهل السنّة يقولون: "الـجسمُ مؤلف من جرمٍ لا يتجزأ بـحيث لا يكون له طول ولا عرض ولا عمق وهذا يقال له الـجوهرُ الفردُ لا تراه العين منه تتركَّب الأجسام". كلُّ الأجرامِ لـم تكن موجودةً ثم وُجِدَتْ فمن قال إنَّ العالـم لـم يزل موجودًا ووجودُهُ ليس له ابتداء ما من نطفة إلا من إنسان وما من إنسان إلا من نطفة إلى غير انقطاع فهو باطل وهذا كلام الكفار. عندهم ما من بيضة إلا من دجاجة والعكس إلى ما لا أول وهذا كفر. نحن نقول الإنسان أصلُهُ من ترابٍ ثم هذا الذِى خُلِقَ من تراب خرج منه إنسان الـمنِىُّ له أصل ينتهى إليه والتراب الذِى خُلِقَ منه البشر له أصل ينتهِى إليه وهو العدم. وكذلك النور والليل والنهار ما كانت موجودة ثم أوجدها الله، اللهُ موجودٌ ليس لوجوده ابتداءٌ لأنه لو كان لوجوده ابتداء لكان مثلَ غيرهِ وهو موجودٌ مِن دون أن يكون حجمًا لأنه لو كان حجمًا كثيفًا كالإنسان والـحجر والشجر لكان له أمثالٌ ولو كان حجمًا لطيفًا كالنور لكان له أمثالٌ فثبت أن الله تعالى ليس حجمًا كثيفًا ولا حجمًا لطيفًا وثبت أنه ليس حجمًا صغيرًا ولا حجمًا كبيرًا لأن صغر الـحجم وكبر الـحجم من صفات الـحجم، فلـما ثبت أنه ليس حجمًا وَجَبَ أن يُنَزَّهَ الله عن صفات الـحجم كلها عن الـحركة والسكون والاتصال والانفصال والتحيز فِى الـجهة والـمكان وعن الانفعال وأنّه لا يتصف بصفة حادثة. وكما أن ذاته أزلِىٌّ لا ابتداء له كذلك صفاته أى قدرته وإرادته وحياته وسمعه  للأصوات  وبصره للـمبصرات وعلـمه وكلامه أزلِىٌّ أبدِىٌّ ليس شَىْءٌ منها يـحدث ثم ينقضِى أو يتجدد لذلك لا يُقال إنه يتكلـم بالـحرف والصوت لأنه لو كان يتكلـم بالـحرف والصوت لكان مثلنا فالـقرءان والتوراة والإنجيل والزبور يقال لها كلام الله لأنها عبارة عن كلام الله الذِى ليس حرفًا ولا صوتًا لا بـمعنـى أنَّ الله قرأها بالـحرف والصوت. بعضها بلغة العرب وبعضها باللغة العبرية وبعضها باللغة السريانية.
ومن فكر ونظر بعقله فِى الشمس يزداد يقينًا بأن الله ليس حجمًا لأن الشمس حجمٌ متحيزٌ فِى جهة فوق كثيرةُ النفع ومع هذا لا تستحق أن تكون إلهًا لتُعبدَ. فلو كان الـحجم يستحق الألوهية لاستحقت الشمس فكيف يستحق حجمٌ مستقر فوق العرش يتوهمه الـمشبهة موجودًا. فالله موجود ليس حجمًا صغيرًا ولا حجمًا كبيرًا موجودٌ بلا مكان.
انتهى والله تعالى أعلـم.



جامع الخيرات
الجزء الثاني

قائمة جامع الخيرات 2