من كتب العلّامة الهرري كتاب جامع الخيرات - الجزء الثاني
 أسماء الله تعالى

الدرس الثامن
أسماء الله تعالى

جامع الخيرات - الجزء الثاني

جامع-الخيرات
درس ألقاه الـمـحدث الشيـخ عبد الله بن مـحمَّد العبدرىّ رحمه الله تعالى مسجد برج أبي حيدر يوم الأحد في الثاني من ربيع الثاني سنة خمس وتسعين وثلاثمائة وألف من الهجرة الموافق للرابع عشر من نيسان سنة خمس وسبعين وتسعمائة وألف ر وهو فِى بيان بعض أسماء الله تعالى وما لا يـجوز تسمية الله به.
قال رحمه الله تعالى رحمة واسعة:
    الـحمد لله رب العالـمين وصلَّى اللهُ على سيِّدنا مـحمَّد وعلى ءالـه وصحابته وسلـم
وبعدُ فقد قال الله تعالى فِى سورة الأعراف: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَآءُ الْحُسْنَى﴾ أسماء الله تبارك وتعالى كلُّها حُسْنَى أى كلُّ اسم منها لا يدل على نقص، فلا يـجوز تسميةُ الله  تعالى ءَاه، مَن ذَكَرَ اللهَ تعالى بآه فقد عصى اللهَ كبعض أهل الطُّرُقِ يقولون ءَاه اسمٌ مِن أسماء الله ولا يـجوز ذلك لأن ءاه لا يَدُلَّ على كمال بل يدلُّ على العجز والضعف وقد قال علـماء اللغة إنَّ ءَاه كلـمةٌ تقال عند الشكاية والتوجع فكيف يذكر الله تعالى بلفظٍ وُضِعَ للشّكايَةِ والتوجع ولـم يَرِدْ فِى كتاب الله ولا فِى حديث رسول الله أنَّ ءاه اسمٌ مِن أسماء الله بل ورد فِى حديثٍ موضوعٍ مكذوبٍ على رسول الله أنَّ الأنين اسمٌ مِن أسماء الله. وقد وُضِعَ فِى اللغة للأنين اثنتان وعشرون كلـمة من جُملتها ءَاه فكيف اختاروا هذه الكلـمة من بينها.
وأما قول الله تبارك وتعالى فِى سورة التوبة: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ1 فمعنـى الأواه الرَّحيم أى أنَّ إبراهيم كان رحيم الـقلب وكان حليمًا كما وصفه الله.
فهؤلاء الذين يذكرون بآه خالفوا قول الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَآءُ الْحُسْنَى2 حيث ذَكَرُوا اللهَ بلفظٍ ليس حَسَنًا فِى حَقّ الله.
وإذا كان اللهُ تعالى لا يُسَمَّى عاقلًا بل يُسَمَّى عالـمًا وعليمًا ولا يُسَمَّى سَخِيًّا بل يُسمَّى كريمًا فكيف يـجوز أن يُسمَّى ءَاه.
وقد بالَغَ بعضُهم أى بعضُ هؤلاء الذين يذكرون بآهٍ بالافتراء على دين الله فقال إنَّ ءاه أسرعُ فُتُوحًا مِن (الله) وهذا بهتانٌ عظيمٌ هذا مِن شِدَّةِ افترائِه على شريعة الله.  ما هذا إلَّا افتراءٌ على الله، لا إله إلَّا الله. ما أعجبتهم الأسماءُ التسعةُ والتسعونَ حتى قالوا إنَّ ءَاه ذِكْرُ الـقلبِ نعوذ بالله العظيم.
وأنكرَ ذلك أى الذكرَ بآه شيـخُ الشاذلية بالـمدينة الـمنورة الشيـخُ ظافِرٌ ردَّ على هؤلاء الشاذلية الذين يذكرون بآه قال: "هذا ليس مِن أبى الـحسن الشاذِلِىّ إنـما شاذليةُ فاسٍ أحدثوا ذلك قال هؤلاء هم الذين أحدثوا الذكر بآه ليست مِن أصل الطريقة الشاذلية، شاذليةُ فاسٍ هم الذين أحدثوا الذّكْرَ بآه أما أبو الـحسنِ الشاذِلِىُّ لـم يكن يَذْكُرُ بآه". فاسٌ مدينةٌ قريبةٌ مِن مراكش. والـحديثُ الذِى يَحْتَجُّ به هؤلاء رواه الرافِعِىُّ فِى تاريـخ قَزْوِينَ بإسنادٍ فيه كذّابٌ مِن حديثِ عائشةَ رضى اللهُ عنها أنها قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلـم وعندنا رجلٌ مريضٌ يَئِنُّ فقلنا له اسْكُتْ فقال دَعُوهُ يَئِنُّ فإنَّ الأنِينَ اسمٌ مِن أسماء الله تعالى، تـمسَّكُوا بِهذا الـحديثِ الـموضوعِ الـمُفْتَرَى. على أنَّ العلـماءَ اختلفوا فِى الأنينِ للـمريضِ قال بعضُهم مكروهٌ وقال بعضُهم إنه مباحٌ، اختلفوا فيه بين التكريه والإباحة فكيف يُتَقَرَّبُ إلى الله بذلك فكيف يـجوز أنْ يُذْكَرَ اللهُ بلفظٍ اخْتَلَفَ العلـماءُ فيه بين الإباحة والتكريه فلو كان اسمًا مِن أسماء الله لرفعوه عن هذا الـمقام لأنه ظَهَرَ لنا بالاتفاق أنه ليس سُنَّةً فإذا كان للـمريض هو أقلُّ مِن السُّنَةِ فكيف ينبغِى أنْ يُذْكَرَ اللهُ به. الذكر بآه لا يَنْزِلُ عن درجةِ الـحرامِ. ما الذِى يدعو هؤلاء إلى صرف أنفاسهم بهذا اللفظ ويتركون ما هو أفضلُ الذكرِ وهو لا إله إلَّا الله التِى سمّاها الله تعالى فِى الـقرءان الكريم كلـمةَ التقوى بقوله فِى سورة الفتح: ﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى3.
 وقال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلـم: "إنها أفضلُ الـحسنات"4 اهـ ثمَّ إنَّ بعض الناس يُسَمُّونَ الله تعالى بلفظٍ لا يـجوز تسميتُهُ به وهو الـمُضِلُّ وذلك حرام ومنهم من يسميه بالـمُقِيم ويقصدون بذلك أنه الذِى يُقِيمُ عبادَهُ حيث شاء وذلك أيضًا لا يـجوز لأنَّ الـمُقِيمَ فِى اللغة معناه مَن أقام بـمكان فإنه يُقال فلانٌ مُقِيمٌ وفلان مسافر فالـمقيم خلافُ الـمسافر هذا معناه الذِى وُضِعَ له فِى اللغة فلا يُغْتَرَّ بـما يُسْمَعُ مِن بعضِ الـمشايـخِ مِن قولهم سبـحان الـمُقيم.
ثم مِن أسماء الله تبارك وتعالى ما هو مدحٌ فِى حَقّهِ تبارك وتعالى وإذا أُطْلِقَ ذلك اللفظُ على غيرِ اللهِ كانَ ذَمًّا كالـجبار: فإنه مدحٌ فِى حق الله تعالى فإنَّ معناه إذا أُطْلِقَ على الله الذِى يُنْفِذُ على عباده مشيئتَهُ فلا يَخْرُجُ أحدٌ منهم عن مشيئةِ الله، وهو ذَمٌّ فِى حَقّ العباد إذا قيل فلانٌ جَبَّارٌ معناه أنه ظَلُومٌ غَشُومٌ وكذلك الـمتكبرُ فمعناه فِى حقّ الله تعالى: الذِى هو أكبرُ قَدْرًا مِن كُلّ كبيرٍ وهو مدحٌ له تبارك وتعالى، وإذا أُطْلِقَ على العبد فقيل فلانٌ متكبرٌ كان ذَمًّا ففِى الـحقيقة كلُّ اسمٍ مِن أسماء الله تعالى يكونُ إذا أُطْلِقَ على الله بـمعنًى غيرِ ما إذا أُطلق على العبد، بيانُ ذلك أنَّ اللطيفَ إذا أُطلق على الله كان معناه: الذِى احتجب عن الأوهام فلا تدركه لأنه لا يُشْبِهُ العالـم بوجه من الوجوه فكيف تدركه الأوهام وكيف تتصوره الـقلوب وهو لا شبيهَ له وأما إذا أُطلق اللطيفُ على غير الله تعالى فمعناه ما كان خَفِيفًا يقال عُودٌ لطيف أى خفيف غيرُ كبيرِ الـحجم. وأما النور فقد ورد إطلاقه على الله تعالى اسْمًا ويُفَسَّرُ بالـهادِى ويَصِحُ تَفْسِيرُهُ بالـمُنِيرِ لأنه أنار قلوبَ عباده الـمؤمنين بالإيمان قال تعالى فِى سورة النُّور: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ5 أى هادِى أهلِ السموات والأرض،كذلك فَسَّرَ الإمامُ عبدُ الله بنُ عباسٍ تَرْجُمانُ الـقرءان رَضِىَ الله عنهما: "فأما تفسيره بالنور الذِى هو الضوء فلا يـجوز لأن الضوء مخلوق كما أن الظلـمات مخلوقة قال الله تعالى فِى سورة الأنعام: ﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ6 أى خلق الظلـمات والنور فأفهمنا الله تعالى أن النور مخلوق كما أن الظلـمات مخلوقة لله فمن اعتقد أن الله تعالى نور بهذا الـمعنـى فقد جهل خالـقه ولـم يؤمن به.
وأما ما ورد من قول الله تعالى فِى سورة الزمر: ﴿وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا7 فِى صفة يوم الـقيامة فالـمعنـى: أن الله تعالى يُشْرِقُ الأرضَ أى يُضِيئها ويُنِيرُها يوم الـقيامة بنورٍ مخلوقٍ لله تعالى ليس كما يَتَوَهَّمُ بعضُ الناس أن الله تعالى يَشِعُّ منه ضوءٌ كما يَشِعُّ مِن الشمس.
وكذلك ما ورد فِى حديث: "أعوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الذِى أَشْرَقَتْ له السمواتُ والأرضُ" اهـ (8) فليس الـمعنـى أنَّ اللهَ جسمٌ نُورَانِىٌّ يَشِعُّ منه أشعةٌ نورانية تُضِيءُ منه السمواتُ والأرضُ كما يَزْعُمُ بعضُ الناسِ حين يسمعون هذا اللفظَ كثيرٌ مِن الناسِ لـما يَسْمَعُونَ "أعوذُ بنورِ وَجْهِكَ الذِى أَشْرَقَتْ له السمواتُ والأرضُ" يَظُنُّونَ ويتصورون ويتوهمون أن الله تعالى جسمٌ نُورانِىٌّ تَشِعُّ منه أشعةٌ نورانيةٌ فهذا جهلٌ وضلالٌ وإنـما الـمعنـى: نورُ طاعتِكَ أى نورُ طاعةِ الله تعالى لأن هذه الطاعاتِ لها أنوارٌ فِى العرشِ وغيرِه لها أنوارٌ والوجْهُ يُطلق على الطاعة كما يقالُ عَمِلْتُ هذا لِوَجْهِ الله أى لطاعة الله والـقربة إليه. وهذا الذِى أراده بعض الـمشايـخ فِى هذه الصيغة الـمشهورة فِى الصَّلاة على النبىّ: "اللهم إنّى أسألك بنورِ وجهِ اللهِ العظيم الذِى ملأ أركان عرش الله العظيم وقامت به عوالـم الله العظيم أنْ تُصَلِّىَ على سيِّدنا ومولانا ذِى الـقوة العظيم"، يُسمونها الصَّلاةَ العَظِيمِيَّةَ، عُرِفَتْ بالصَّلاة العَظِيمِيَّةِ، ومعنـى ذلك: نورُ طاعةِ اللهِ الذِى ملَأَ نواحِىَ العرشِ.
وجاء فِى حديث الـمعراج من طريق أبى ذر رضى الله عنه أنه قال قلت يا رسول الله هل رأيتَ رَبَّكَ قال: "نورٌ أَنَّى أَرَاهُ" اهـ9 فالـمعنـى: مَنَعَنِى وشَغَلَنِى نورٌ أى شَغَلَ بَصَرِى نورٌ مخلوقٌ لله تعالى فكيف أراه أىْ إنّى لـم أَرَهُ بِعَيْنِى فقد نَفِى رسولُ الله صلى الله عليه وسلـم رؤيته لربه بعينه وهذا هو الـحقُّ الذِى لا مَحِيدَ عنه ولـم يَنْفِ رسول الله صلى الله عليه وسلـم رؤيتَهُ بفؤاده أىْ بقلبه فيـجب علينا الإيمانُ بأنَّ الله تبارك تعالى لا يراه العبادُ بأبصارهم فِى الدنيا وإنـما يراه الـمؤمنون بأبصارهم فِى الآخرة فقط وذلك لأن هذه الأَعْيُنَ كتبَ اللهُ عليها الفناء فلا ترى الـحَىَّ الباقِىَ الذِى لا شبيه له. ومَن ادَّعى من الـمنتسبين إلى الصوفية ذلك فقد شذ فقد اتفق أئمة الصوفية على أن الله تعالى لا يُرَى فِى الدنيا ومَن ادعى مِن الـمنتسبين إليهم ذلك فقد شَذَّ.
 انتهى والله تعالى أعلـم.
------------------

1- سورة التوبة/ الآية (114).
2- سورة الأعراف/ الآية (180).
3- سورة الفتح/ الآية (26).
4- رواه أحمد في مسنده باب حديث أبي ذرٍّ الغفاري
5- سورة النور/الآية (35).
6- سورة الأنعام/الآية (1).
7- سورة الزمر/ الآية (69)
8- رواه الطبراني في المعجم الكبير باب ما انتهى إلينا مِن مُسْنَدِ عبدِ اللهِ بنِ جعفر.
9-رواه مسلـم فِى صحيحه باب في قوله عليه السَّلام:"نورٌ أنَّى أراهُ".


جامع الخيرات
الجزء الثاني

قائمة جامع الخيرات 2