من كتب العلّامة الهرري كتاب جامع الخيرات - الجزء الثاني
 الـحذر من السحر والسحرة

الدرس السابع
الـحذر من السحر والسحرة

جامع الخيرات - الجزء الثاني

جامع-الخيرات
درس ألقاه الـمـحدث الفقيه الشيـخ عبد الله بن مـحمَّد العبدرىّ رحمه الله تعالى وهو فِى بيان الـحذر من السحر والسحرة.
قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً:
الـحمد لله رب العالـمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الـحسن، صلوات الله البرّ الرَّحيم والـملائكة الـمقربين على سيِّدنا مـحمَّد أشرف الـمرسلين.
أما بعـد فإنَّ من الكبائر السحر وهو من السبع الـموبقات التِى ذكرها رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فِى حديثه، وهو مزاولة أفعال وأقوال خبيثة، وهو أنواع منه ما يـجرُّ إلى عمل كفرى ومنه ما يـجرُّ إلى كفر قولىٌ فالأول كالسجود للشمس أو السجود لإبليس ومنه ما يـجرُّ إلى تعظيم الشيطان بغير ذلك، فما يـجرُّ إلى الكفر ولا يـحصل إلا بالكفر فهو كفر وما لا يُحوِجُ إلى الكفر فهو كبيرة. وقد أطلق بعض العلـماء تحريم تَعلّمِهِ، وفصَّل بعض فِى ذلك، فقال بعض إن كان تعَلّمُهُ وتعليمُه لا يُحوِجُ إلى الكفر ولا إلى تعاطى مُحَرَّم جاز ذلك بشرط أن لا يكون الـقصدُ تطبيقَه بالعمل وإلا فتحريمه متفق عليه ولو كان للـمـحبة أى حتى يـحب هذا هذه أو هذه هذا، أو للتبغيض حتى يكره هذا هذه أو هذه هذا فهو حرام ومن استحلَّ عمله فقد كَفَرَ.
وأما قول بعض الناس إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلـم قال "تعلـموا السحر ولا تعملوا به" فهذا كذب على رسول الله.
وكذلك السحر لإمراض الشخص حتى يُجَنَّ أو نحو ذلك حرام أيضًا والذِى يَنْفِى وجود السحر فقد كذَّب الـقرءان، قال الله: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ 1.
ويُعْلَمُ مِنْ هذه الآية أنَّ هاروت وماروت ملكان أمرهما اللهُ أن يَنزلا إلى الأرض ويعلّما الناسَ السحرَ لا ليعملوا به بل ليعرفوا حقيقته، كانا يعلّمان الناسَ السحر مع التحذير، يقولان للناس: ﴿نَحْنُ فِتْنَةٌ﴾ أى مـحنة وابتلاء من الله واختبار نعلّمكم ونقول لا تكفروا أى لا تعتبروا السحر حلالًا إنـما تتعلَّمون فقط لتفرقوا بين السحر والـمعجزة. ثم الناس الذين تعلَّموا منهما بَعْضُهُمْ ما عَمِلَ بهذا السحر الذِى تعلـموه وبعض الناس عملوا به وعَصَوْا ربهم.
وكان مِنَ السحر غيرُ هذا الذِى علَّمه هاروت وماروت للبشر. الشياطينُ أى كفار الـجن كانت تعمل السحر وتعلـمه للناس لكن الشياطين كانت تُعَلّمُ بطريقة الكفر. بعض أنواع السحر الذِى كانت الشياطين تُعَلّمُهُ البشر كان فيه كفرٌ كعبادة الشمس، ومنه ما فيه عبادة إبليس بالسُّجود له، ومنه ما كان فيه غير ذلك من أنواع الكفر حتى إنَّ منه ما تشترط الشياطين على مَنْ تُعَلّمُهُ لِتُساعِدَه أن يبول الشخص على الـمصحف لأن الكفر إذا حصل من ابنِ ءَادَمَ فهذا عندهم أعظم شَىْءٍ يشتهون هذا اشتهاءً.
ثم مما يـحتالون به لترويـج عمل السحر أنهم يـخلطون بعض الآيات الـقرءانية بالسحر، يضعون كلامًا خبيثًا فِى الورقة ثم يكتبون قُرْبَهُ بعضَ الآيات فيظن الـجاهلون من البشر أنَّ الـقرءان له دخل فِى السحر فالشياطينُ بذلك تُضِلُّ الناسَ فَتُدْخِلُ بعض الآيات الـقرءانية فِى السحر لترويـجه فمن رأى شيئًا مكتوبًا من السحر وإلى جانبه ءَايَاتٌ قرءانيةٌ فَلْيَعْلَمْ أنَّ الـقرءانَ لا دَخَلَ له إنـما الشياطينُ أدخلتْ هذا لِتُضِلَّ الناس بأن يظنوا أنَّ الـقرءان فيه سحر، والـقرءان ضدُّ السحر بل بالـقرءان يُفَكُّ السّحْرُ.
سيدُنا سليمانُ عليه السلام كان الكفَّارُ يقولون عنه إنه مَلِكٌ من الـملوك وإنه كان يعمل بالسحر وكذبوا، السحر ليس من عمل الأنبياء والأولياء إنـما الشياطين كانوا مغتاظين من سيدنا سليمان عليه السَّلام لأنَّ الله أعطاه سرًّا فكانت الشياطين تطيعه مع كفرهم فكانوا يـخدمونه من غير أن يؤمنوا ويعملون له أعمالًا شاقةً فمن خالفه منهم يُنزل الله تعالى به عذابًا فِى الدنيا ولذلك كانوا مقهورين له فلـما مات كتبوا السحر ودفنوه تحت كُرسِيّهِ ثم قالوا للناس بعد أن ظهرَ عددٌ منهم للناس سليمانُ كان يـحكمكم بالسحر احفروا تحت كُرسِيّهِ فحفروا فوجدوا هذا الكتابَ فَصَدَّقَ قسم منهم أنّ هذا الكتاب لسليمان وضع فيه السحر فكفروا لأن السحر ليس من عمل الأنبياء ولا الأولياء.
والـحَذَرَ الـحَذَرَ من الذين يقولون لهم فلان روحانـىٌّ أو معه جنٌ رحمانـىٌّ احذروهم وحَذّرُوا الناس منهم، أغلب هؤلاء ولا نقول كلهم ضالون مفسدون يوقعون الناس فِى الضلال والكفر لأن الإنسان إذا اعتقد السحر حلالًا وأنه شئ حَسَنٌ يكفر لأنَّ السحر أمر مـحرَّم من الـمـحرَّمات الكبائر واستحلالـه كفر. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلـم: "ليس منّا مَنّ تَكَهَّنَ أوّ تُكُهّنَ لهُ أو سَحَرَ أو سُحِرَ لَهُ"<2 اهـ
السحر هو مزاولة أعمال وأقوال خبيثة ومنه ما يكون بالاستعانة بالشياطين ومنه ما يكون بغير ذلك، ولا يـجوز مقابلة السحر بالسحر كما يفعل بعض الـجهال.
من أعمال السحرة وأقوالـهم الـخبيثة أنهم يستنجدون بالشياطين ويتكلَّمون بكلامٍ قبيـحٍ فيه تعظيم للشيطان ليعينهم على إيذاء الشخص، ومن الأفعال الـخبيثة التِى يزاولونها أنهم أحيانًا يأخذون دم الـحيض لِيَسقُوهُ الشخص الذِى يريدون ضرره وأحيانًا يستعينون بالشياطين، وأحيانًا يستنجدون بالكواكب، على زعمهم الكواكب لها أرواح تساعدهم وكذلك الشمس، ثم هم أحيانًا يـختارون وقتًا مُعَيَّنًا لعمل السحر لأنَّ هذه الأوقات جعل الله سبـحانه وتعالى لها خصائص لعمل الـخير وعمل الشر.
ومِنْ أنواعِ السحرِ سحرُ التَّسليطِ، يُسَلَّطُ على الشَّخص جِنّىٌّ يُمْرِضُهُ وأحيانًا هذا الـجنـىُّ يقتله.
ومما ينفع للتّحصين من السحر أن يداوم الشخص كلَّ صباحٍ ومساءٍ على قراءة الـمعوذات قل أعوذ بربّ الناس وقل أعوذ بربّ الفلق وسورة الإخلاص ثلاثًا ثلاثًا.
وحضورُ مجالس السحرة أثناء عملهم ولو من غير أجرةٍ حرام أيضًا.
ولْيُعْلَمَ أنَّ ما يذكره كثير من الـمفسرين فِى قصة هاروت وماروت من أن الزُّهرَةَ كانت امرأةً فراوداها عن نفسها فَأَبَتْ إلا أن يُعَلّماها الاسم الأعظم فَعَلَّماها فَرُفِعَتْ كوكبًا إلى السماء فهو كذب ولعله من وضع الإسرائيليين، وأما قول بعض الـمفسرين من أهل السنَّة إنَّ هاروت وماروت مستثنيان من عصمة الـملائكة وإنهما شربا الـخمر ثم وقعا على الـمرأة التِى فُتنا بها فهذا الـقول غَلَطٌ لا صحة له.
وكذلك ما رُوِىَ أنهما رأيا امرأةً فَرُكّبَتْ فيهما الشهوة فأرادا الوقوع بها فقالت حتى تشركا فرفضا فقالت اشربا الـخمر فشربا فَسَكِرَا وَقَتَلَا الصبىَّ فهذا كذب، هذا خرافة.
وءاخـــر دعوانا أن الـحمــد لله رب العالـمين
انتهى والله تعالى أعلـم.
------------------

1- سورة البقرة/ الآية (102).
2- رواه الهيثميّ في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد باب في السحر والكهانة.


جامع الخيرات
الجزء الثاني

قائمة جامع الخيرات 2