من كتب العلّامة الهرري كتاب جامع الخيرات - الجزء الثاني
 زكاة الفطرة

الدرس السادس
زكاة الفطرة

جامع الخيرات - الجزء الثاني

جامع-الخيرات
درس ألقاه الـمـحدثُ الفقيهُ الشيـخُ عبد الله بن مـحمَّد الـهررِىّ رحمه الله وهو فِى بيانِ زكاةِ الفطرة.
قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً:
الـحمد لله رب العالـمين وصلى الله وسلـم على سيَّدنا مـحمَّد وعلى ءالـه وصحبه الطيبين الطاهرين.
أما بعد فإنَّ الزكاة موضعها فِى الدِّين عظيم وإن الله تبارك وتعالى فرض زكاة الفطر من رمضان قبل زكاة الأموال، وهِىَ أى زكاة الفطر فرضٌ على مَنْ وَجَدَ ما يزيد عن حاجاته الأصلية وحاجات من عليه نفقتهم ويدفع صاعًا من قوت بلده أى من غالب قوت بلده فالبلدُ الذِى غالبُ قوته من الـقمـح فصاعٌ من الـقمـح والبلدُ الذِى غالبُ قُوتِهِ التـمرُ فصاعٌ من تـمرٍ والصاعُ هو مكيالٌ معروفٌ يسع أربعة أمداد والـمد هو الـحفنة بالكفين بالنسبة للرجل الـمعتدل الـخلقة فهذا الـقدرُ هو الواجب إخراجه فِى الأصل ثم مَن أراد أن يدفع قيمة هذا الصاع بدل أن يدفع الصاع كان ذلك جائزًا فِى بعض الـمذاهب ولعل قيمة الصاع اليوم فِى هذه البلاد ليرة ونصف1.
ثم إنـما تجب زكاة الفطر عليه إن وجد ما يزيد عن حاجاته الأصلية من قوته وقوت عيالـه أى أولاده الصغار الذين لـم يبلغوا أو مَنْ كان فِى حكم الصغار كالـمعتوه والزَّمِن الذِى لا يستطيع العمل وأبويه الفقيرين وزوجته فاضِلًا عن أجرة الـمسكن وكسوته وكسوة هؤلاء ونفقتِهم ودَينه ولو كان هذا الدين مؤجلًا فمن كان بهذه الصفة يـجب عليه أداء زكاة الفطر، والشـرطُ أن يكون حيًّا عند غروب شمسِ ءَاخِرِ يومٍ من رمضان فَمَنْ مات قبل ذلك فلا فطرة عليه ومَن وُلد بعد ذلك فليس عليه فطرة ومَن فضل له عما ذُكر أقلُّ من الصاع وجب عليه أن يدفعه ثم يـجب أن يكون الـمدفوع إليه من أهل الزكاة أىِ مِنَ الذين جعل الله لهم حقًّا فِى الزكاة وهم: الفقراء الذين لا يـجدون نصف كفايتهم أو نصف حاجاتهم الأصلية والـمساكينُ وهم الذين يـجدون النصف ولا يـجدون تـمام الكفاية والغارمون جمع غارم أى مَنْ غَلَبَهُ الدَّين وهؤلاء الثلاثة هم أكثر أهل الزكاة الـمستحقين وجودًا فِى هذا الزمن فإنَّ الـمؤلَّفة وهم صنف من أصناف الـمستحقين للزكاة كالـمعدومين فِى هذا العصـر وكذلك العاملون لا يوجدون بالنسبة لأكثر البلاد الإسلامية إنـما يوجد العاملون فِى البلاد التِى يـحكمها سلطان مسلـم يبعث جباة الزكاة فِى البلاد ليـجمعوا الزكاة من أهل الأموال هناك يوجد الصنف الذِى سماه الله تبارك وتعالى فِى الـقرءان الكريم: {العَامِلِينَ عَلَيْهَا} أى على الزكاة.
ثم إنه يـجوز دفع زكاة واحد لواحد على خلاف ظاهر نص الشافعىّ رحمه الله تعالى فإنَّ الشافعىّ رحمه الله تعالى اشترط تعميم الأصناف لكن أصحابه أفتَوا بأنه يـجوز دفع زكاة شخص واحد لـمستحق واحد يـجوز دفع واحد لواحد هكذا أفتى أصحاب الشافعىّ وقال بعضهم لو كان الشافعىّ حيًّا لـما وَسِعَهُ الآن إلا أنْ يُفْتِىَ بذلك منهم الإمام الـجليل العالـم النبيل الولىّ الصالـح موسى بن عجيل اليمنِىّ فمن أداها على هذه الصفة فقد أسقط الواجب وسلـم من الإثم وربـح الثواب الـجزيل من الله تعالى.
ثم الرجل الذِى لا يستطيع أن يدفع عن زوجته فإن كان يستطيع أن يدفع عن نفسه دفع فإن كان لا يستطيع أن يدفع عن نفسه ولا عن زوجته فليس عليه شىء وكذا ليس على زوجته شىء ولو كانت هِىَ أىِ الزوجة غنية ليس عليها أن تدفع لأن زكاتها على زوجها لكنه بـما أنه غير مستطيع سقط عنه وعنها ليست عليها ولا عليه.
ومَن علـم بنفسه مِن مستحقين فدفع إليهم فقد صح أداؤه ومن لـم يعلـم انتظر حتى يـجد مَن يعلـم أنه مستحق فإنْ وَكَّلَ شخصًا عارفًا بالـمستحقين أمينًا جاز ذلك أيضًا.
أما أولاد الرجل البالغون فإن كانوا يـجدون ما يدفعون عن أنفسهم بأن كانت عندهم كِفَايَتُهُمْ وجب عليهم أنْ يزكوا عن أنفسهم وإن كانوا لا يستطيعون أن يدفعوا عن أنفسهم فليس على ءَابَائهم أن يدفعوا عنهم مهما كان الأب غنيًّا فلا يـجب عليه دفع الزكاة عن أبنائه البالغين إنـما الوجوب على الأولاد فإنْ أراد الأب أنْ يدفع عن ابنه البالغ صَحَّ أداء الزكاة عنه بإذنه يسأل هذا الأب ابنَهُ البالغ هل ترضى أن أدفعَ عنك زكاةَ الفطرة فإذا قال ادفع عنّى يدفع عنه وإلا فلا يدفع عنه لأنه إنْ كان هذا الولد البالغ فقيرًا فليس عليه وإن كان غنيًّا ففطرته على نفسه أما الأب فليس مكلفًا إلا عن أولاده الصغار الغير البالغين أو الولد البالغ الذِى هو مجنونٌ معتوهٌ فزكاته على الأبِ، الأبُ مكلفٌ أن يدفع لأنَّ الـمعتوه مثل الطفل. أما البالغ فلا يصح أن يدفع الأب عنه إلا أنْ يُوَكّله لأنَّ البالغ هو ينوِى عن نفسه. الزكاةُ تحتاج إلى نية قال رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّـم: "إنـَّمَا الأعمَالُ بِالنِيَّاتِ" اهـ2 فالبالغ هو ينوِى أما الطفل فينوِى عنه أبوه لأنه ليس مكلفًا، ما دخل فِى حد التكليف فينوِى عنه أبوه ويدفع عنه أبوه من مالـه أى مال الصبِىّ إن كان له مال أما هذا البالغُ فهو مثل أبيه هذا مكلفٌ وهذا مكلفٌ فالزكاةُ عبادةٌ مفروضة لا تصح إلا بنية فإذا وَكَّلَ أباه صحّ ذلك.
ولا يـجب إخبار ءَاخِذِ الزكاة بأنها زكاةٌ بل إذا سكت فذلك أطيب لخاطر الـمستحق لذلك أحسنُ إذا سكت ولـم يقل له هذا زكاتِى لأنه إذا قال له هذا زكاتِى قد يستحِى.
والولد البالغ العاقل الصحيـح الـجسم هذا ليس عليه زكاة إن كان فقيرًا وليس على أبيه أيضًا أن يدفع زكاة الفطر عنه إنـما إذا تبرع عنه أبوه بعد استئذانه كان فِى ذلك له ثواب ولابنه الذِى يدفع عنه ثواب.
والأب الفقير لا يأخذ زكاة ابنه ولا زكاة غير ابنه لأنه مكفِى بنفقة ابنه. أليس ابنُهُ ملزمًا شرعًا بأن ينفق على أبيه. الابن هو مكلف بأن يتحمل نفقة أبيه فليس للأب أن يأخذ الزكاة من ابنه ولا من غير ابنه  لأنه مكفِى بنفقة ابنه والأم كذلك.
هذه الزكاة زكاةُ الفطرة تتبع النفقة والولد الطفل الذِى لـم يبلغ نفقته على أبيه.
ثم الأخ إذا أعطى زكاة الفطرة لأخيه الفقير يكون أحسن من أن يعطيها لأجنبىّ وكذلك الأخت. إذا أعطاها الـقريبُ لقريبه الفقير غير أمه وأبيه وجده يكون أحسن.
من عُلـم أنه هاشمِىّ أو مطلبِىّ لا يـجوز دفع الزكاة إليه لأن الزكاة حرمها رسول الله على أهل بيته.
سئل الشيـخ اليتيم يستحق
قال الشيـخ: "واليتيم الفقير الذِى لـم يترك له أبوه مالًا يكفيه يستحق الزكاة لكن لا تُسَلَّمُ ليد هذا اليتيم الذِى هو دون البلوغ بل تسلـم إلى يد قيّمه الذِى يشرف على أمور معيشته".
دار الأيتام لو كان الـمشرف عليها مسلـمًا فقيهًا يعرف أحكام الزكاة وأمينًا كان يـجوز عند ذلك تسليم الزكاة للأيتام إلى يده أما إذا كان غير أمين أو كان جاهلًا بأحكام الشريعة فلا يـجوز. وسبـحان الله والـحمد لله ربّ العالـمين
والله تعالى أعلـم.
------------------

1- هذا فِى وقت إلقاء الدرس.
2- رواه البخاري فِى صحيحه باب كيف كان بدء الوَحْيِ.


جامع الخيرات
الجزء الثاني

قائمة جامع الخيرات 2