من كتب العلّامة الهرري كتاب جامع الخيرات - الجزء الثاني
 الكلام على معنـى حديث

الدرس التاسع والعشرون
الكلام على معنـى حديث من قال
أستغفر الله الذِى لا إله إلَّا هو الـحىّ الـقيوم وأتوب إليه

جامع الخيرات - الجزء الثاني

جامع-الخيرات
    درس ألقاه الـمـحدث الشيـخ عبد الله بن مـحمَّد العبدرىّ رحمه الله تعالى في سويسرة في الواحد من محرم سنة تسع وأربعمائة وألف من الهجرة الموافق للثالث عشر من شهر ءاب سنة ثمان وثمانين وتسعمائة وألف ر وهو فِى بيان بعض ما يتعلق بـحديثِ من قال أستغفر الله الذِى لا إله إلَّا هو الـحىّ الـقيوم وأتوب إليه.
قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً:
الـحمد لله ربِّ العالـمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الـحسن وصلوات الله البرّ الرَّحيم والـملائكة الـمقربين على سيِّدنا مـحمَّد أشرف الـمرسلين وعلى جميع إخوانه من النبيين والـمرسلين.
وبعد فإنَّ حديثّ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رضى الله عنهما عن النبِىّ صلى الله عليه وسلـم أنه قال: "مَن قال أستغفرُ الله الذِى لا إله إلا هو الـحىَّ الـقيومَ وأتوبُ إليه غُفرَ له وإن كان قد فَرَّ مِن الزحفِ"1 اهـ هذا الـحديثُ يُحملُ على ظاهرهِ ولا يُقالُ فيه كما قال بعضُ العلـماءِ إن الذِى يقول: "وأتوبُ إليه" ولـم يكن تائبًا بالفعلِ يكونُ كاذبًا فهذا غيرُ صحيـحٍ ولا يَنْبغِى أن يُلتفت إليه فإنَّ الذِى يقولُ: "وأتوبُ إليه" إن كان فِى ذلك الوقتِ بعدُ متلبّسًا ببعضِ الـمعاصِى لـم يَتُبْ منها بَعْدُ لا يكونُ بقوله: "وأتوبُ إليه" كاذبًا لأن معنـى وأتوبُ إليه أنه فِى الـمستقبل يتوبُ وأنه عازمٌ على أن يتوبَ فِى الـمستقبلِ فيما بعد هذا الوقتِ فلا يكونُ كاذبًا، فإن رأيتـم فِى بعضِ الـمؤلفاتِ ككتابِ الأذكارِ للنووى وغيرهِ أنَّ الذِى يقولُ: "وأتوبُ إليه" وهو غيرُ تائبٍ يكون كاذبًا مذنبًا فاحذروا هذا الكلام هذا كلام لا معنـى له وهو مردود لأمرينِ أحدهما‎‎‎‎‎ أن رسول الله صلى الله عليه وسلـم قال: "وإن كان قد فرّ من الزحفِ" فهو دليلٌ صريـحٌ على أنه يُغفرُ له من الكبائرِ لأنه عليه الصَّلاة والسَّلام قال: "وإن كان قد فرَّ من الزحفِ" معناه حتى لو كان وقعت منه هذه الـمعصيةُ الكبيرة فإن الله تباركَ وتعالى بهذا الاستغفارِ يَغفِرُها له وهذا يدل على أنه يغفر له بهذا الاستغفار من الكبائرِ لأنه لو كان الأمر كما يقولُ هؤلاءِ العلـماءِ أن هذا الاستغفارَ لا ينفعُ إلا الذِى قد تابَ بالفعلِ من الكبائرِ وليس عليه كبيرةٌ واحدةٌ لـم يقل رسول الله: "وإن كان قد فَرَّ من الزحفِ" كما أنه لا يصح أن يُقال إن مُرادَ الرسولِ صلى الله عليه وسلـم أن يكونَ الشخصُ قد كان تابَ من الكبيرة كالفرار من الزحف ثم بعدَ ذلك قال هذا الاستغفارَ حتى يُغفرَ له لأن الذِى تابَ من الذنب يغفر له ذنبه سواء قال هذا الذكر أم لـم يقل، بتوبته غُفرَ له ولا يـحتاجُ إلى أن يقول: "أستغفر الله الذِى لا إله إلا هو الـحىّ الـقيوم وأتوبُ إليه" حتى تحصل له الـمغفرة بل توبـتُـه مـحت كلَّ الكبائر التِى كان عملَها ثم تاب منها فلا يـحتاجُ إلى هذا الاستغفارِ لأن التوبةَ تهدِمُ الذنوبَ. والتوبةُ هى الندمُ بالـقلب على الـمعصيةِ التِى فعلها والعزمُ على أنه لا يعودُ إلى تلك الـمعصيةِ والإقلاعُ عنها هذا يكفِى لتـمـحَى تلكَ الكبائرِ سواءٌ قال بعد ذلك: "أستغفرُ الله الذِى لا إله إلا هو الـحى الـقيوم وأتوبُ إليه" أم لـم يقل فلا معنـى لاشتراط أن يكون قائل هذا الاستغفار تائبًا.
والأمر الثانـى الذِى يوجبُ رَدَّ هذا الكلام الذِى قالـه بعضُ العلـماءِ أن معنـى وأتوبُ إليه أى سأتوبُ إليه فمن أينَ دخلَ عليه الكذب. هذا الشخصُ حينَ يقولُ وأتوبُ إليه قصدهُ فيما بعدَ هذا أُنشئُ التوبةَ ليس معناه وقد تُبتُ. الشخصُ الذِى لـم يتب من الكبائر إذا قال أستغفر الله الذِى لا إله إلَّا هو الـحىّ الـقيوم وقد تُبت من ذنوبِى هنا كان يأتى الكذب، فِى هذه الـحالة يكون وقع فِى الكذبِ أما وهو لـم يقل ذلك إنـما قال وأتوب إليه فمعناه سأتوب إلى الله فيما بعد هذا فمن أين يكون دخل عليه الكذب. بعض العلـماءِ يُشددونَ من غيرِ داعٍ إلى التشديدِ. أىُّ داعٍ إلى هذا التشديد ورسول الله صلى الله عليه وسلـم يقولُ: "وإن كان قد فرَّ من الزحفِ". هذا غلطٌ من هؤلاء العلـماءِ.
ثم هذا الـحديث حديثُ: "أستغفر الله الذِى لا إله إله هو الـحىَّ الـقيومَ وأتوبُ إليه أو الـحىُّ الـقيومُ وأتوب إليه" رُوِىَ بعدةِ وجوهٍ منها هذا اللفظُ "مَن قال أستغفرُ الله الذِى لا إله إلَّا هو الـحىّ الـقيوم وأتوبُ إليه غُفرَ له وإن كان قد فرَّ من الزحف" اهـ ورُوِىَ بوجهٍ ءَاخَرَ وهو: "من قال أستغفرُ الله الذِى لا إله إلَّا هو الـحىَّ الـقيوم وأتوبُ إليه دُبُرَ الصلاةِ غُفرَ له وإن كان قد فرَّ من الزحفِ" اهـ  ورُوِىَ بلفظِ: "من قال أستغفرُ الله الذِى لا إله إلَّا هو الـحىّ الـقيوم وأتوبُ إليه ثلاثَ مراتٍ غُفرَ له وإن كان قد فرَّ من الزحفِ" اهـ فالروايةُ التِى إسنادها صحيـحٌ هى الروايةُ الأولى ليس فيها ذكرُ ثلاث مراتٍ وليس فيها ذكرُ دُبُرَ الصلواتِ أما الروايتان الأخريان روايةُ ثلاثِ مراتٍ وروايةُ دُبُرَ الصلواتِ فهما غيرُ صحيـحتى الإسنادِ والروايةُ الصحيـحة هى التِى ليس فيها تقييدٌ، روايةُ الإطلاقِ هى الصحيـحةُ.
انتهى والله تعالى أعلـم.
------------------

1- رواه أبو داود فِى سننه باب في الاستغفار.


جامع الخيرات
الجزء الثاني

قائمة جامع الخيرات 2