من كتب العلّامة الهرري كتاب جامع الخيرات - الجزء الثاني
 التحذير من بعض أهل الضلال

الدرس الثانـى والعشرون
التحذير من بعض أهل الضلال

جامع الخيرات - الجزء الثاني

جامع-الخيرات
    درسٌ ألقاهُ الـمـحدثُ الشيـخُ عبدُ اللهِ بنُ مـحمَّدٍ العبدرىُّ رحمهُ اللهُ تعالى فِى السّابع عشر من جُمَادَى الآخرةِ سنة عشرين وأربعمائة وألف من الهجرة الموافق لثمان وعشرين من شهر أيلول سنة تسع وتسعين وتسعمائة وألف ر فِى بيتهِ وهوَ فِى التّحذيرِ من بعضِ أهلِ الضّلالِ.
    بعدَ حمدِ اللهِ والصّلاةِ والسّلامِ على رسولِ اللهِ.
قالَ رحمه الله تعالى رحمة واسعة:
بَعضُ هؤلاءِ السَّحَرِيَّاتِ يَعتقِدن أنَّ وضع إصبع الـحائض فِى الطبيـخ ينجسه. عائشةُ لَمَّا قالَ لها الرّسولُ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم: "ناوِلينـى الـخُمْرَةَ" فقالَت إنـى حائضٌ فقالَ لها: "ليسَتْ حيضَتُكِ فِى يَدِكِ"1 اهـ عائشة مَا قالَت إنّى أنجّسُ هذهِ الـخُمرةَ إذا أمسكتُها إنـما معناهُ هل منَ الأدبِ أم يُنَافِى الأدبَ هذا معناهُ. ويَدلُّ لذلكَ أنّه كانَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم يُدْنِى لها رأسَهُ وهوَ فِى الـمسجدِ فَتُسَرّحُ لهُ عائشة وهىَ خارجَ الـمسجدِ وهىَ حائضٌ. بينَ الـمسجدِ وبينَ بيتِ عائشةَ يوجدُ جدارٌ فقَط. الرّسولُ يُخرِجُ رأسَهُ إلى خارجِ جدارِ الـمسجدِ وهوَ فِى الـمسجدِ من غِيرِ أنْ يقومَ وهىَ فِى بَيتها تُسَرّحُ لهُ رأسهِ.
وهَذا شَىْءٌ هَيّنٌ بالنّسبةِ لكُفريّاتهنّ. من جملةِ كفريّاتهنّ أنهُ عندَهنّ كتابٌ يُنْشِدْنَ منهُ هُنَّ عَمِلْنَ ذلكَ الكتابَ. رَئيستُهُنَّ التِى فِى الشّامِ عمِلَتْ ذلكَ الكتابَ وأعطتْهُ لـمن يَطبع لها ثمَّ صِرنَ يشترين من عندِ صاحبِ مكتبةٍ يقالُ لها مكتبةُ الفارابِىّ فِى وسطِ دمشقَ. هذا الكتابُ فيهِ أستغفر الله من تَرْكِى للـمعصية اهـ هذا عَكسُ دينِ اللهِ. الاستِغفار فِى الإسلامِ مِن فِعْلِ الـمعصيةِ ليسَ مِن تَرْكِ الـمعصيةِ. ما أبشعَ هذا الكفرَ. ويوجدُ عندَهنّ أبشعُ من هذا وهوَ قولُ رئيستِهِنَّ إنّ التِى لا تتزوّج فِى الدنيا يتزوجها اللهُ فِى الآخرة. هؤلاء مَا عَرفنَ اللهَ.
وأيضًا قالتْ لَهُنَّ مَن يَتهجّدُ بالليلِ أى يُصَلّى السُّنَّةَ النّافلةَ فِى النّصفِ الأخيرِ فَلْيَتَصَوَّرْ أنهُ يسجدُ على أفخاذ الله اهـ هؤلاءِ ما عرفن الله. أصلُ الإسلامِ معرفةُ اللهِ هؤلاءِ انتسابُهنَّ للإسلامِ لَا مَعنـى لهُ. بعدَ الـمعرفةِ الصّلاةُ والصّيامُ والزّكاةُ والـحجُّ وقراءةُ الـقرءانِ تنفعُ أمّا قبلَ معرفةِ اللهِ لَا يَنفعُ شَىْءٌ منَ الأعمالِ بل فوقَ الكفرِ يُكْتَبُ عليهِ سيّئةٌ لأنهُ يُصَلّى صَلاةً مخالفةً للشّرعِ ويصومُ صَومًا مخالفًا للشّرعِ ويـحجّ حجًّا مخالفًا للشّرعِ. الأعمالُ التِى هِىَ حَسناتٌ صورةً تكونُ عليهن ذنوبًا لأنَّ الصَّلاةَ إذا كانَت لَا تُوافقُ شريعةَ اللهِ فهِىَ مَعصيةٌ والصّيامُ إذا كانَ لَا يُوافِقُ شَريعةَ اللهِ والـحجُّ إذا كانَ لَا يُوافقُ شَريعةَ اللهِ فهوَ مَعصيةٌ وهكذا سائرُ الأعمالِ إلا صدقة التّطوّعِ. الكافرُ إذا تصدَّقَ صدقةَ التّطوّعِ من غَيرِ أن يَطلب بها الثّوابَ منَ اللهِ ليس عليه معصية أمّا إذا زَكَّى عليهِ مَعصيةٌ لأنَّ مَن يعملُ عبادةً فاسدةً عليهِ إثمٌ. أمّا الصّدقةُ فتصحُّ بلا نيّةٍ وصلةُ الرّحمِ كذلكَ. الشّخصُ إذا نوَى بهِ الثوابَ أو لـم ينوِ بهِ الثّوابَ إنْ وصلَ رحمهُ عملٌ جائزٌ لكنْ إنْ لَم يَنوِ بهِ للهِ تعالى مَا لهُ ثوابٌ. أمّا إنْ نوَى للهِ أى أصِلُ أرْحامِى لأنَّ اللهَ أمرَ بزيارةِ الأرحامِ لهُ ثوابٌ أى بشرطِ الإسلامِ، أما بغيرِ هذهِ النّيّةِ ليسَ لهُ ثوابٌ لكنْ لَا تَكونُ معصية. أمّا الصّلاةُ والصّيامُ والـحجُّ والزّكاةُ الأعمَالُ التِى لَا تَصحُّ إلا بالنّيّةِ الكافرُ إذا عمِلها يقالُ لها عبادةٌ فاسدةٌ والعبادةُ الفاسدةُ يأثَم فاعِلها.
مِن فسادِ الزّمانِ أنْ يظهرَ مثلُ هؤلاءِ كامرأةٍ اسمُها غِنـى حمّود وأنْ تتكلّمَ أمامَ النّاسِ باسمِ الوعظِ هِىَ جاهلةٌ كافرةٌ. اليومَ لَا يوجدُ حاكمٌ شرعىٌّ مثل أيّامِ الصّحابةِ وما بعدَ ذلكَ مثل أيّامِ الأمويّينَ وأيّام الـخلفاءِ العبّاسيّينَ وأيّام الـخلفاءِ العثمانيّينَ الأتراكِ. فِى تلكَ الأيّامِ إذا تكلَّمَ شخصٌ بكلـمةِ الكفرِ يشهدُ عليهِ شاهدانِ دَيّنانِ عَدلانِ عندَ الـحاكمِ الـحاكمُ يَستدعيهِ فإنِ اعترفَ يقولُ لهُ تشهّدْ فإن لَم يتشهّد يمهلهُ ثلاثةَ أيّامٍ فإنْ لَم يرجعْ يقتلهُ فرضٌ عليهِ أن يقطعَ رأسهِ، وكذا الـحكمُ لو أنكرَ لكنْ شهدَ عليهِ الشّاهدانِ.
أيّامَ سيّدنا أبِى بكرٍ ارتدَّت واحدةٌ فقتلَها، قطعَ رأسَها، كانَت مسلـمةً ثمَّ ارتدّت بنَوعٍ من أنواعِ الرّدّةِ. يقالُ لها أمُّ قِرْفَة.
وءَاخَرُ كانَ فِى أيّامِ الأُمويّينَ فِى أيّامِ الـخليفةِ الأُمَوىّ هشامِ بنِ عبدِ الـملكِ رَجلٌ كانَ مِن موالِى سيّدنا عثمانَ أىْ من ذرّيّةِ إنسانٍ كانَ عبدًا وأعتقَهُ سيّدنا عثمانُ هذا الرّجلُ فسدَتْ عَقيدتهُ صارَ يقولُ ضدَّ عقيدةِ أهلِ السّنّةِ صارَ يقولُ الشّرُّ ليس بـمشيئة الله بل بغير مشيئة الله يوجد الشر أمّا الـخيرُ فبـمشيئةِ اللهِ وبـمشيئةِ العبد يفعله الإنسان والعبد هو يـخلق أفعالـه. طلبهُ هشامُ بنُ عبدِ الـملكِ الـخليفةُ فِى الشّامِ فِى دمشقَ قالَ لهُ أنتَ تقولُ ذلكَ الكلامَ الذِى يَبلغنِى عنكَ قالَ أحضِرْ لِى مَنْ يُناظِرُنِى فأحضرَ لهُ الإمامَ الأوزاعىَّ هذا الذِى الآنَ هنا مَدفونٌ بسَاحلِ بَيروتَ الـخليفة أحضَرهُ فناظرَ هذا الرجلَ واسمُه غيلان فأثبتَ عليهِ سيّدنا الأوزاعىُّ أنهُ مُنحَرفٌ عنِ الدّينِ ولـم يـجدْ هذا الضّالُّ حجّةً فقالَ الإمامُ الأَوزاعىُّ للخَليفةِ: "كافرٌ وَربّ الكَعبةِ يا أميرَ الـمؤمنينَ" اهـ أميرُ الـمؤمنينَ أخذهُ قطعَ لسانَه ويدَيهِ ورجلَيهِ ثمَّ قطعَ رأسَه وصَلَبه. ماذا كانَ يفعلُ أولئكَ الـخلفاءُ لو كانَت هذهِ وأمثالُها فِى زمانِهم. هذهِ غِنَى مِن جَماعةِ رَجَب دِيب. وهذا رَجب زعيمُهم قال إن الله يُدَنْدِل رأسه من السماء يوم الـجمعة ويقول يا عِبَادِى تَعَالَوْا إلى الـجامع اهـ وهذا تَشبيهٌ للهِ بخَلقهِ والعياذُ باللهِ. كانَ يَقضِى أربعةَ أيّامٍ فِى بَيروت كلّ أسبوعٍ ثمَّ يعودُ إلى دمشقَ كان يُعَلّمُ الكفرَ، كانَ يقولُ نحن أنبياء مُصَغَّرُونَ فاعتقَد بعضُ النّاسِ أنهُ نَبِىٌّ. هذا ماذا كانَ يفعلُ بهِ الـخليفةُ لو كانَ فِى عصرهِ.
هذا الـمعتزلىُّ الذِى كانَ حافظَ الـقرءانِ وإذا تكلَّمَ يُعجَبُ النّاسُ بفَصاحتهِ. عاشَ فِى عصرِ الصّحابةِ لكنِ انحرفَ عَن عقيدةِ أهلِ السّنّةِ. أهلُ السّنّةِ يقولونَ الـخيرُ والشّرُّ بـمَشيئةِ اللهِ لكنَّ اللهَ يَكْرَهُ الشرَّ ويـحبُ الطّاعةَ لكنِ الـخيرُ يـحصلُ بـمشيئتهِ والشَّرُّ يـحصلُ بـمَشيئتهِ وهوَ خَالـقُ كلّ شَىْءٍ.
هذهِ عقيدةُ الإسلامِ التِى كانَ عليها الرَّسولُ والصَّحابةُ. أهلُ السّنّةِ إلى اليَومِ على هذا. نحنُ عقيدَتُنا أنه لا خالـق لخيرٍ ولا لشرٍّ إلا اللهُ. هذهِ عقيدةُ أهلِ السّنّةِ. هذهِ العَقيدةُ هىَ عقيدةُ الـقرءانِ واللهُ تعالى ذكرَ فِى الـقرءانِ هذهِ الآيةَ: ﴿قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾. كلـمةُ شىءٍ تشملُ كلَّ الـموجود. الأجسامُ شَىْءٌ وحركاتُ الأجسامِ وسكَناتها شَىْءٌ والعقائدُ والأفكارُ والنّوايا شَىْءٌ. مَعنـى الآيةِ أنَّ اللهَ تَعالى هوَ يَخلقُ هذهِ الأشياءَ كلَّها بِلَا استثناءٍ. العبادُ يفعلونَ لكنْ لَا يَخلقونَ. الـحسناتُ نفعَلُها ولكنْ ليسَ نحنُ نخلُقها بلِ اللهُ يـخلُقها فِينا والـمعاصِى نحنُ نفعَلُها ولَا نخلُقها بلِ اللهُ يـخلُقها فِينا. هذهِ عقيدةُ أهلِ الـحقّ. مَن ماتَ عَليها معَ معرفةِ أنَّ اللهَ لا يشبه شيئًا ليسَ متحيّزًا فِى السّماءِ ولا فِى العَرشِ ولا فِى الكَعبةِ مَوجودٌ بلَا مكانٍ لأنهُ كانَ قبلَ الـمكانِ بلَا مكانٍ ثمَّ خلقَ الـمكانَ وهوَ موجودٌ بلا مكانٍ. فمَن ماتَ على هذا وهوَ مؤمنٌ بسيّدنا مـحمّدٍ أنهُ رسولُ اللهِ وتجنَّبَ كلـماتِ الكفرِ سَبَّ اللهِ وسبَّ الرّسولَ سبَّ الـملائكةَ والاستهزاءَ بالـقرءانِ والاستهزاءَ بشريعةِ الإسلامِ ونحو ذلكَ فهوَ مسلـمٌ مؤمنٌ لو بلَغت ذنوبُهُ عَنانَ السَّماء ويَدخلُ جنَّةَ اللهِ لا بُدَّ. اهـ
انتهى والله تعالى أعلـم
------------------

1- رواه ابن ماجه فِى سننه باب الحائض تتناول الشئ من المسجد.  


جامع الخيرات
الجزء الثاني

قائمة جامع الخيرات 2