من كتب العلّامة الهرري كتاب جامع الخيرات - الجزء الثاني
 القرءان - وعند الموت

الدرس الـخامس
بيان أن الـقرءان هو الـمهيمن على باقِى الكتب الـمنزلة
وحال الـمسلـم عند الـموت وبعده

جامع الخيرات - الجزء الثاني

جامع-الخيرات
درسٌ ألقاه الـمـحدث الشيـخ عبد الله بن محمد الـهررِىّ رحمه الله تعالى وهو فِى بيان أن الـقرءان هو الـمهيمن على باقِى الكتب الـمنزلة وبيان حال الـمسلـم عند الـموت وبعده.
قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً:
الـحمد للهِ ربِّ العالـمين وصلَّى اللهُ وسلَّـم على سيِّدنا مـحمَّد وعلى ءالـه الطيبين الطاهرين.
أما بعد فقد قال الله تبارك وتعالى: ﴿بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ1 ورُوّينَا بالإسناد الصحيـح الـمتصل فِى مسند الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى من حديث عَمْرِو بنِ عَبَسَةَ رضِى الله عنه وهو مِن السابقين إلى الإسلام كان أسلـم مع رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّـم قبل أن يسلـم مِن أصحابِهِ عشرةٌ قال قال رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّـم: "الـمسلـمُ مَن أسلـم قلبه لله وسَلِمَ الـمسلـمون مِن لسانِه ويدِه"2 اهـ
الـقرءان هو كتاب الله الـمنزل على سيِّدنا مـحمَّد صلَّى اللهُ عليهِ وسلـَّم وهو مُهَيْمِنٌ على ما قبله من الكتب السماوية أى أنه لا ناسخ له أما هو ينسخ الشرائع التِى أنزلها الله على أنبيائه. كلُّ الشرائع التِى أنزلها الله على أنبيائه كانت كل شريعة منها فِى الوقت الذِى أُنْزِلَتْ فيه واجبًا العمل بها فشريعةُ ءَادَمَ التِى هِى إسلامية كان العمل بها واجبًا فِى زمن ءَادَمَ لا يـجوز العمل بخلافها ثم لـمَّا أنزلت بعده شريعةٌ على من جاء بعده من الأنبياء كان العمل واجبًا بالشريعة الـجديدة ثم بعد ذلك لـما أنزل الله تعالى شريعة أخرى فيها ما يـخالف ما قبلها كان العمل بها واجبًا ثم أنزل الله تبارك وتعالى ءَاخِرَ الشرائع كُلّها شريعةَ مـحمَّد فجعلها ناسخة للشرائع التِى قبله.
وهذه الشرائعُ كلها تابعة للإسلام الذِى هو دين جميع الأنبياء ودين الـملائكة وهو لا يدخله نسخ. الإسلامُ دين الله الذِى أنزله لـملائكته وأنبيائه جميعًا لذلك ليس دينٌ عند الله تعالى مقبولًا إلَّا الإسلام. الإسلام هو دين الله وما سوى الإسلام لا يسمّى دين الله، الإسلام هو دين الله الذِى لا يقبل دينًا سواه، والأنبياء كلهم دينهم الإسلام وهو لا يدخله نسخٌ لأنَّ الإسلام هو عقيدةٌ.
الإسلامُ هو عبادة الله وحده وأن لا يُشْرَكَ به شَىْءٌ والإيمانُ بالـقدر أى أنَّ كل شىء لا يوجد إلا بإيـجاد الله وأنه لا خالـق إلا الله وأنَّ بعد هذه الـحياة حياة ثانية تسمى الآخرة وأنَّ فِى تلك الدار دارَين إحداهما الـجنة دار النعيم الـمقيم والأخرَى جهنـم دار العذاب الـمقيم والتصديقُ بأن الله تعالى أرسل من عباده من الناس رُسُلًا صادقين لا يَكذبون على الله بل كلُّ ما يُبَلّغُونَهُ عن الله حقٌّ وأنه تعالى أنزل كتبًا على مَن شاء مِن أنبيائه كُلُّها منزل من الله تعالى. هذا معنـى الإسلام فهذا لا يدخله نسخ هذا لـم ينتسخ إنـما النسخ فِى الشرائع فالشرائع التِى كانت قبل شريعة مـحمَّد نُسِخَتْ بشريعة مـحمَّد لأن شريعة مـحمَّد فيها أحكامٌ تخالف شرائعَ الأنبياء قَبْلَهُ، الأنبياء قبل مـحمَّد ما كان لهم أن يتيمموا إذا فقدوا الـماء كان الوضوء مشروعًا لهم لكنهم إذا لـم يـجدوا الـماء فليس عندهم بديل عن الـماء بل يتركون الصَّلاة حتى يـحصلوا على الـماء أما شريعة مـحمَّد صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّـم فقد أنزل الله تعالى فيها التيمم وكان نزول التيمم بعد أن مضى أكثر من ثلاثة عشر عامًا من بداية مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلـم، وفِى شريعة مـحمَّد أيضًا حكم لـم يكن فِى شرائع الأنبياء السابقين وهو أكل الغنيمة والغنيمة هِىَ الـمال الـمأخوذ من الكفار قهرًا وغلبة لـم يكن أيام الأنبياء الذين مضوا قبل سيدنا مـحمَّد رخصة فِى أكل الغنائم أىِ الأموال الـمأخوذة من الكفار قهرًا وغلبة كانوا يـجمعونها أموال الكفار التِى استولوا عليها كانوا يـجمعونها فيرسل الله نارًا تأكل هذه الأموال فكان فِى شرائع أولئك مَنْ أَكَلَ من أموال الغنيمة أى من أموال الكفار بعد أن يُكسَروا شيئًا استحق عذاب الله أما فِى شريعة مـحمَّد فإن الله تعالى أحلها لهم فَضَّلَهُمْ على مَن قبلهم من أمم الأنبياء بإباحة الغنيمة لهم وأنزل الله تبارك وتعالى الرخصة فِى ذلك أى فِى أكل الغنيمة فِى الـقرءان قوله تعالى: ﴿فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلًا طَيِّبًا3 فهذا أى أكل الغنائم لـم يكن حلالًا فِى شريعة من الشرائع إلا فِى شريعة مـحمَّد، وهناك أمور أخرى أيضًا فِى شريعة مـحمَّد نسخ الله بها شرائع الأنبياء الذين قبله فلهذا الـمعنـى كان الـقرءان هو الـحاكم على كل الكتب الـمنزلة الـقرءان يـحكم الكتب الـمنزلة، فما أحل فِى الـقرءان فهو حلالٌ وما حرم فِى الـقرءان فهو حرام لو كان الشىء حلالًا فِى بعض الكتب الـمنزلة قبل الـقرءان ثم حرم فِى الـقرءان فلا يـجوز أن يقول قائل عن ذلك الشىء إنه حلال اعتـمادًا على أنه كان حلالًا فِى الكتب التِى أُنزلت قبل الـقرءان لأن الله تعالى نسخ ذلك.
الله تعالى يأمر بِشَىْءٍ ثم يَنْهَى عنه هذا ليس نقصًا على الله وينهَى عن شىء ثم يرفع الـحظر عنه أى يبيـحه وهذا أيضًا لا نقص فيه ولا يكون كذبًا لا يكون فِى الـقول بذلك نسبة الكذب إلى الله لأن الكذب يـحصل فِى الإخبار الكذب يكون فِى الإخبار لا فِى الأمر والنهْىِ الله تعالى نهَى مَنْ قبلنا مِن الأمم أن يأكلوا من الغنائم وأباح لأمة مـحمَّد أن يأكلوها هذا ليس معناه أنَّ الله تعالى انتقض كلامه، لا، الله تعالى لا يدخل كلامه الكذب كلامه صدقٌ وقوله حقٌّ والله تعالى كان عالـمًا فِى الأزل قبل أن يـخلق الـخلق أنه يبيـح لأمة كذا الشَّىْءَ أن يفعلوه ثم يُحَرّمُهُ على مَن بعدهم كان عالـمـًا بذلك ليس جديدًا على الله تعالى، كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلـم يستقبل الـقبلة أى الكعبة فِى صلاته والـمؤمنون أتباعه كانوا يستقبلون الكعبة فِى صلواتهم إلى أن هاجر الرسول إلى الـمدينة فأمره الله تعالى باستقبال بيت الـمقدس فِى الصلاة ثم استـمر يستقبل بيت الـمقدس سبعة عشر شهرًا ثم أنزل الله تعالى عليه الوَحْىَ بأن يستقبل الكعبة وهذا أيضًا أىْ أمرُ اللهِ تعالى لسيدنا مـحمَّد باستقبال بيت الـمقدس فِى الصلاة تلك الـمدة التِى هِىَ سبعة عشر شهرًا كان العمل بذلك واجبًا فرضًا وكان لا يـجوز فِى تلك الأيام أن يستقبل أحد فِى صلاته الكعبة إلا بيت الـمقدس ثم لـما رفع الله تعالى الـحكم وأعاد الأمر إلى ما كان عليه من استقبال الكعبة كان فرضًا على الـمسلـمين أن يستقبلوا الكعبة ولا يـجوز لأحد بعد ذلك أن يستقبل فِى صلاته بيت الـمقدس ثم استـمر هذا الـحكم لـم ينسخه الله تعالى بل ثبت الأمر على ذلك ولا ينسخ إلى يوم الـقيامة.
هو النسخ لا يكون إلا بالوَحْىِ والوَحْىُ قد انقطع بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلـم لـمّا توفِى رسول الله صلى الله عليه وسلـم انقطع الوَحْىُ فلا يُنسخُ شىءٌ من شرع الله. لا يأتى بعد ذلك ناسخ.
فقول رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّـم فِى هذا الـحديث الذِى رواه عمرو بن عبسة: "أن تسلـم قلبك لله" اهـ4 معناه أن تعبد الله تعالى وحده ولا تشرك به شيئًا وتقصد بعبادتك التقرب إلى الله، ثم قال: "وأن يسلـم الـمسلـمون من لسانك ويدك" اهـ هذا ذَكَرَهُ لبيان الكمال، كمالُ الإسلام لا يكون إلا بذلك فالـمسلـم الكامل هو الذِى كَفَّ يده ولسانه كَفَّ يده عن أن يضرب بها مسلـمًا وكَفَّ لسانه عن أن يُؤْذِىَ به مسلـمًا فمن ءَامَنَ بالله ورسوله وأخلص لله تعالى فِى عبادته أى لـم يبتغِ إلا وجه الله وكفّ يده ولسانه أى كفّ ظلـمه وأذاه عن الـمسلـمين فلـم يظلـم أحدًا منهم بيدٍ ولا بلسانٍ أى وأدى جميع الفرائض واجتنب جميع الـمـحرمات كان مسلـمًا كاملًا. والـمسلـم الكامل له مزية ليست لغيره فِى الدنيا والآخرة، مزية الـمسلـم الذِى أدى الفرائض واجتنب الـمـحرمات واستقام بطاعة الله تعالى مزيته على غيره من الـمسلـمين هِىَ أنه عند خروجه من الدنيا ينزل عليه ملائكة من ملائكة الرَحمة يتفاوت عددهم بالنسبة للـمؤمنين الكاملين فمنهم من ينزل عليه خمسمائة ومنهم من ينزل عليه أكثر من ذلك ومنهم من ينزل عليه أقل من ذلك فيبشره هؤلاء بأنه مِن أحباب الله وأن ملك الـموت الـمسمى عزرائيل يبشره كذلك برحمة الله ورضوانه فيـحب الـموت عندئذ أى  تذهب عنه كراهية الـموت والـخوف من الـقبر لأن كلام الـملائكة ملائكة الرَّحمة له تأثير فِى نفس هذا الـمؤمن فينقلب من كراهية الـموت والـخوف من الـقبر إلى ضد ذلك فلا يـخاف الـموت ولا يـخاف من الـقبر لأنه عَلِمَ أنه ليس عليه عذاب ولا نَكَدٌ وأن الله تعالى راضٍ عنه. ثم إنه يُصْعَدُ بروحه بعد أن يفارق الـجسد إلى السموات السبع فيلقَى تبشيرًا وتعظيمًا وإجلالًا من ملائكة السماء السابعة كل الـملائكة الـمقربين من ملائكة السموات السبع يبشرونه يرى منهم ابتهاجًا به وإقبالًا عليه وسرورًا بقدومه فيزداد هذا الروح سرورًا وفرحًا ثم يؤمر الـملائكة الذين صعدوا به إلى السماء السابعة أن يردوه إلى الأرض فيردونه إلى الأرض فِى لحظة قصيرة لأنَّ هذا يتـم قبل أن يُحْمَلَ الـجسدُ إلى الـقبر، هذا العروج بهذا الروح إلى السماء السابعة والعود به إلى الأرض يتـم ذلك فِى هذه الـمدة الـقصيرة أى قبل أن يُجَهَّزَ جسدُهُ إلى الـقبر. ثم يُعادُ الروح إلى الـجسد فِى الـقبر بعد أن يُدْفَنَ الـجسد فيعود إليه الإحساس فيعود إليه عقله كما كان ثم لا يزال بعد ذلك براحة تامة لا يـحس بألـم ولا وحشة ولا فزع ولا يتسلط عليه شىء من هوام الأرض من نـمل فما فوق ثم تظل فِى قبره الروح مع الـجسد إلى أن يبلى الـجسد ثم يُصعد بالروح بعد بِلَى الـجسد إلى الـجنة فيأكل من ثمار الـجنة يكون طيرًا يأكل من ثمار أشجار الـجنة إلى أن تقوم الساعة ثم يوم تقوم الساعة يعاد الـجسد كما كان ويعود الروح إلى جسده ثم يـخرج من قبره مسرورًا غير خائف ولا مـحزون ثم بعد ذلك يَلْقَى الكرامة من الله حتى يتبوأ منزله فِى الـجنة مكرمًا.
وأما الـمسلـم الذِى لـم يصل إلى حد الكمال بأن كان لا يؤدّى الفرائض أو يؤدّى نصفًا ويهمل نصفًا أو يرتكب الكبائر هذا إن مات وهو فِى هذه الـحال لا يكون حالـه كحال الـمؤمن الكامل بل يصيبه نكدٌ فِى قبره مدةً ثم ينقطع عنه ويُؤَخَّرُ له باقِـى عذابه إلى الآخرة ثم بعد أن يستوفِى بقية عذابه فِى الآخرة يـخرجه الله تعالى من العذاب فيدخله الـجنة، هذا لـمن لـم يغفر الله له أما من غفر الله له فإنه لا يُعَذَّبُ فِى قبره ولا فِى ءَاخِرَتِهِ.
ثم هؤلاء الذين يـحفظهم الله تعالى من عذاب الآخرة مع كونهم غير كاملين فِى الإسلام هم أصنافٌ صنفٌ منهم رُزِقُوا الشهادة إما بالـقتل فِى سبيل الله وإما بغير ذلك فالذِى يذهب إلى سلطان جائر ويكلـمه بـحق فيأمره بـما فرض الله وينهاه عن ما حرم الله لوجه الله ثم يقتله هذا السلطان الـجائر هذا لـم يُقْتَل فِى الـمعركة لكنه عند الله تعالى من أفضل الشهداء لأنه خاطر بنفسه لوجه الله تعالى، ومنهم من يُرْزَقُ غير ذلك من أنواع الشهادات كالذِى يقتل ظلـمًا من أجل مالـه أو من أجل جاهه أو غير ذلك. كانت فِى الصحابيات أىِ النساء اللاتِى ءامنَّ برسول الله واجتـمعْنَ به امرأة من الأنصار تسمى أم ورقة كانت من أهل الـمدينة كان رسول الله صلى الله عليه وسلـم يزورها مع بعض الصحابة يقول لهم قوموا بنا نزور الشهيدة ثم تُوُفِى رسول الله صلى الله عليه وسلـم ثم عاشت هذه الـمرأة إلى أيام خلافة عمر بن الـخطاب رضى الله عنه فقام عبد وأمة مملوكان لها وقتلاها ثم أُخْبِرَ عمر بن الـخطاب بـحادثة قتلها فأمر بالتفتيش عنهما أى عن العبد والأمة اللذين قتلا أم ورقة ظلـمًا ثم هربا. كانت هِى مالكةً لهما بـحقٍّ لأن الاسترقاق بالطريقة الشرعية حلال لا ينكره من هو مسلـمٌ له إلـمام بعلوم شريعة الله إلا الـملحد، قتلاها ظلـمًا لـم تُسِئْ إليهما فِى الـمعاملة ما جوعتهما ما عذبتهما بالـجوع أو بغير ذلك إنـما هما بغيا عليها واعتديا فخنقاها غمّاها بخرقة حتى ماتت ثم أُدركا فقُتلا قتلهما عمر بن الـخطاب لأنهما اشتركا فِى قتل نفس مسلـمة ظلـمًا وعدوانًا، ولو اشتركتْ ألف نفس بقتل مسلـم لكان الـقصاص على الـجميع مثلًا لو أمسكتْ ألف نفس حبلًا ثم ركّبتْهُ فِى عنق رجل مسلـم فجروه إلى البـحر كان هذا الـقتل مشتركًا فيه بين الألف نفس وهؤلاء الألفُ يستحقون الـقتلَ لذلك قتلَ العبدَ والأمةَ عمرُ بن الـخطاب رضِىَ الله عنه.
ثم إن من أعظم الفرائض معرفة العلـم الذِى لا يُستغنَى عنه منْ علـمِ الشريعةِ من علـم الدين. علـم الدين قسمان قسم فرض على كل مسلـم ومسلـمة وقسم فرض على بعض الـمسلـمين أن يتعلـموه ليس على الـجميع ومن لـم يتعلـم هذا الـقسم الذِى هو فرض على كل مسلـم فإنه من الفاسقين لو كان يصلّى الفرائض ويتهجد بالليل والناس نيام أو كان يـحج عشرات الـمرات ويتصدق كل يوم صدقاتٍ كثيرةً ويدفع الزكاة الـمفروضة أو كان يذهب إلى الـقتال إلى الـجهاد فإن هذا فاسق لأن من لـم يتعلـم العلـم الذِى فرضه الله فإنه عبدٌ فاسقٌ عبدٌ عاصٍ عبدٌ مذنبٌ. تجدون كثيرًا من الناس لا يتعلـمون علـم الدين الضرورِىّ إنـما يكتفون بأنهم يترددون إلى الـمساجد ويـحجون ويصومون ويتصدقون ويزكون أما العلـم الشرعِىّ فقد نبذوه وراء ظهورهم هؤلاء لا يكونون مفلحين هيهات هيهات. لا يكونون مفلحين مهما ذكروا الله بألسنتهم لو كان الواحد منهم يذكر كل يوم عشرة ءالاف أو كان أحدهم يهلل كل يوم عشرة ءَالافِ تهليلةٍ أى لا إله إلَّا الله أو سبعون ألف مرة يقول الله الله الله باللفظ الصحيـح فإن هذا لا يكون قريبًا من الله بل هو بعيد من الله والشيـخ الذِى ينتسب إليه الذِى يُعْطِى الطريقة للناس لا ينجيه من سخط الله. هيهات هيهات مَن هذا حالـه أن يكون من الـمقبولين الـمَرْضِيّينَ عند الله لأنه أكثر واشتغل بالطريقة هيهات هيهات. أحدهم قال لِى أنا صارتْ لِى مصيبةٌ تحطمتْ سيارتِى وأُصِبْتُ فِى جسمِى فمكثتُ سنةً وزيادةً فِى بيتِى لزمت البيت سنةً وزيادةً وأظن أن ذلك جاءنِى لأنِى تركت الـختـمةَ النقشبنديةَ قلت له ما أضعت صلواتٍ من الصلوات الـخمس فِى هذه الـمدة قال بلى قلت ليس من الـختـم أنت تستحق هذه الـمصيبة بتركك الصلوات الـخمس. انظروا من شدة جهلهم قال هذه الـمصيبة استحققتها لأنّى تركت الـختـم لعنة الله على الـجهل يُحَسّنُ الباطلَ للإنسان ويقبـح الـحق للإنسان. الـختـم ليس فرضًا. الله لـم يفرض الانتساب لطريقة من الطرق لا الطريقة الـقادرية ولا الطريقة النقشبندية ولا الطريقة الرفاعية. لا يُسأل العبد يوم الـقيامة هل أخذتَ الطريقة الـقادرية هل أخذتَ الطريقة النقشبندية هل أخذتَ الطريقة الرفاعية لِمَ لَمْ تأخذ لا يُسأل. إنـما يُسأل عن ما افترض الله على عباده يُسأل إن أضاع الصلوات الـخمس أو واحدة منها يسأل عن منع الزكاة يسأل عن تعلـم علـم الدين. الإنسانُ الـمسلـم الفائز الناجِى فِى الآخرة هو الـمسلـم الذِى ءَامَنَ بالله ورسوله وعرف الله تعالى كما يليق بالله مِنْ غير أن يشبهه بِشَىْءٍ من غير أن يعتقد بأن الله تعالى كالإنسان له أجزاء ورأس وصدر ووجه كمعتقد اليهود. اليهود اعتقدت أن الله له رأسٌ وله وجهٌ وقفًَا أما الـمسلـمُ فلا يعتقدُ ذلك، الشخصُ لا يكون مسلـمًا حتى ينزه الله تعالى عن شبه الـمخلوقات. الذِى يعتقد فِى الله أن له رأسًا لا يكون مسلـمًا ولو حج وصلى وصام وأخذ الطريقة والتزم الأوراد فإنه لا يكون مسلـمًا عند الله، كذلك الذِى يعتقد أن الله جسم نورانِىٌّ كالشمس والـقمر لا يكون مسلـمًا، وكذلك الذِى يعتقد أن الله جالس على العرش فهذا ليس مسلـمًا ليس مؤمنًا ليس عارفًا بالله لأنَّ الليل والبياض والسواد والشُّقرة والزُّرقة وغيرَ ذلك من صفات الـمخلوقين وربنا تبارك وتعالى منزهٌ عن ذلك لأنه تبارك وتعالى لو كان يشبه الشمس ما استطاع أن يـخلق الشمس ولو كان يشبه النور ما استطاع أن يـخلق هذا النور. النورُ وقتًا يكون فِى هذه الأرض ثم ينطوِى عن هذه الأرض إلى ما بعدها ومن الـجهة الأخرى تكون الظلـمة وبعد ذلك تذهب ويأتِى النور هذا يرحل من هنا فيأتِى الآخر ثم هذا يرحل من هنا فيأتِى فيعقبه النور. هذان مخلوقان. الله تعالى لو كان نورًا لـم يستطع أن يـخلق هذا النور ولا الشمس والـقمر ولا نور النهار ما كان يستطيع أن يـخلقها لكنه هو خالـق كل شىء خالـقُ النور فليس نورًا خالـق الظلـمة فليس ظلـمة خالـقُ الـهواء فليس هواءً وخالـقُ الريـح فلا يكون ريـحًا وخالـق الروح فليس هو روحًا. النصارى يعتقدون أن الله روحٌ ومَنْ يعتقد أن الله روحٌ وهو يَدَّعِى الإسلام ويصلّى ويصوم فهذا عند الله كافرٌ لأنه ما عرف الله. الله تعالى خالـق النور هو الذِى يُنير السموات والأرض هو خلق النور لـم يكن فِى الأزل هذا الضوء ولا الظلـمات لـم يكن فِى الأزل إلا الله لـم يكن فِى الأزل عرش ولا سموات ولا أرض ولا زمان ولا مكان ولـم يكن فِى الأزل شَىْءٌ إلا الله ثم خلق الـمخلوقات خلق الـماء والعرش ثم خلق السموات بعد أن خلق اللهُ تعالى الـماءَ والعرشَ والـقلـمَ الأعلى واللوحَ الـمـحفوظ خلق الله تعالى سائرَ خلقه فهو تبارك وتعالى لا يشبه شيئًا من هذه الـمخلوقات التِى رأيناها والتِى لـم نرَها فمن اعتقد فِى الله تعالى أنه كَشَىْءٍ مِنْ هذه الأشياء النورِ والظلـمات أو الريـح أو الروح أو أنه ذو لونِ بياضٍ أو سوادٍ أو شقرةٍ أو حمرة فإنه لـم يعرف الله ولا يكون مؤمنًا بالله حتى يُغَيّرَ هذا الاعتقاد، بعد أن يغير هذا الاعتقاد إلى الاعتقاد الصحيـح بأنَّ الله تعالى لا يشبه شيئًا من الأشياء عندئذ يكون عرف الله ثم يقول أشهد أن لا إله إلَّا الله وأشهد أن مـحمَّدًا رسول الله فإذا قالـها مع معرفته بـمعنـى أشهد أن لا إله إلَّا الله وأشهد أنّ مـحمَّدًا رسول الله دخل الإسلام صار مسلـمًا.
انتهى والله تعالى أعلـم.
------------------

1- سورة البقرة/ الآية (112)
2- رواه أحمد في مسنده باب عمرو بن عبسة.
3- سورة الأنفال/الآية 69.   
4- رواه أحمد فِى مسنده.


جامع الخيرات
الجزء الثاني

قائمة جامع الخيرات 2