من كتب العلّامة الهرري كتاب جامع الخيرات - الجزء الثاني
 بيان بعض ما نُسب إلى الشيـخ عبد الـقادر الـجيلانـى مما هو افتراء عليه

الدرس الثانـى والأربعون
بيان بعض ما نُسب إلى الشيـخ عبد الـقادر الـجيلانـى مما هو افتراء عليه

جامع الخيرات - الجزء الثاني

جامع-الخيرات
    هذهِ رسالةٌ أملاهَا الـمـحدّثُ الشّيـخُ عبدُ اللهِ بنُ مـحمّدٍ العبدرىُّ رحمهُ اللهُ تعالى فِى ربيعٍ الآخِر سنةَ خمس وعشرين وأربعمائة وألف من الهجرة الموافق لشهر أيار سنة ألفين وأربع ر وهِىَ فِى بيانِ بعضِ ما نُسِبَ إلى الشّيـخِ عبدِ الـقادرِ الـجِيلانـى مما هوَ افتراءٌ عليهِ.
قالَ رحمهُ اللهُ تعالى رحمةً واسعةً:
الـحمدُ للهِ ربّ العالـمينَ وصلّى اللهُ على سيّدنا مـحمّد وعلى ءالـهِ وسلّم.
قالَ الشّيـخُ عبدُ الفتّاحِ الزُّعْبِىُّ مِن طرابُلُسَ الشّامِ مِن ذرّيّةِ الشّيـخِ عبدِ الـقادرِ الـجِيلانـىّ رَضِىَ الله عنهُ إنَّ كتابَ الفُيُوضاتِ الرّبّانيةِ ليسَ مِن جَدّنا اهـ وذلكَ لأنَّ فيه أمورًا لَا تليقُ بالأولياءِ منها أنَّ فيه أنَّ اللهَ كلَّم الشيـخَ عبدَ الـقادر. الأولياءُ لهم إلهامٌ وليسوا مُكَلَّمين كالأنبياء. حتى إنَّ الـمكلَّمينَ منَ الأنبياءِ ثلاثةٌ ءادمُ ونبيُّنا مـحمّدٌ وموسى فلَا يـجوزُ أنْ يُقالَ إنَّ الله قال للشّيـخ عبد الـقادر يا غوث الأعظم الأمر كذا وكذا.
وفِى هذا الكتابِ يا غوث الأعظم أَكْلُ الفقراءِ أَكْلِى وَشِرْبُهُمْ شِرْبِى. وهذا باطلٌ لنسبتهِ الأكلَ والشّربَ للهِ عزّ وجلَّ تعالى اللهُ عَن ذلكَ.
وفيهِ كذبٌ ءاخَرُ على سيّدنا عبدِ الـقادِر مِن قصيدةٍ هىَ الـقَصيدةُ اللاميّةُ وهىَ
سَقانِى الوَصْلُ كاساتِ الوِصالِ ***** فَقُلْتُ لِخَمْرَتِى نَحْوِى تَعالى
    ومنَ الـقَصيدةِ الأخرى النُّونيّةِ وفيها فنادَمَنِى رَبّى حَقِيقًا ونادانِى اهـ والـمُنادَمَةُ مِن صفاتِ الـمخلوق فلا تُنسب إلى الله.
وفيها كذبٌ ءاخَرُ وهوَ هذا البيتُ
ولو أنَّنِى أَلْقَيْتُ سِرّى عَلَى لَظَى ***** لَأُطْفِئَتِ النيرانُ مِن عُظْمِ بُرْهانِى
وذلكَ لأنَّ الـجنةَ والنارَ مخلوقتانِ للبقاءِ لا تَفْنَيَانِ منذُ يومِ خُلِقَتَا إلى ما لا نهايةَ له. وهذا بعيدٌ مِنَ الشّيـخِ عبدِ الـقادرِ لأنَّ هذا ضِدُّ الشّريعةِ ضِدُّ دِينِ اللهِ والأولياءُ مـحفوظونَ مِن كُلّ ما هو مُصادَمَةٌ للشّريعةِ.
وكذلكَ ما أُشِيعَ عنهُ بأنهُ قال قَدَمِى هذه على رَقَبَةِ كُلّ وَلِىّ لله ليسَ صحيـحًا. الأولياءُ شأنُهُمُ التواضُعُ وقَد قالَ الرّسولُ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ التّواضعُ أفضلُ العبادةِ اهـ وهذا الكلامُ نفاهُ عنِ الشيـخِ عَبدِ الـقادرِ الشّيـخُ سِراجُ الدّينِ الـمَخْزُومِىّ فِى كتابهِ صَحاحِ الأخبارِ وكذلكَ الـحافظُ ابنُ رَجَبٍ الـحنبلِىُّ وغيرُهـما وقالَ الشّيـخُ سراجُ الدّينِ الـمخزومِىُّ كَذَبَ على الشّيـخِ عبدِ الـقادرِ علىٌّ الشَّطَنُوفِى الـمِصْرِىُّ الذِى أَلَّفَ كتابَ روضةَ الأسرارِ ورَوَّجَ الأكاذيبَ بقولهِ حَدَّثَنا فلانٌ عَن فلانٍ عنِ الشّيـخِ عبدِ الـقادرِ اهـ وهذا الشَّطَنُوفِى ظَهَرَ بعدَ الشّيـخِ عبدِ الـقادرِ بـمائةِ سنةٍ فعمِلَ هذا الكتابَ. وأما كتابُ الفُيُوضاتِ الربّانية فهوَ أُلّف فِى الـقرنِ الثّالثَ عشرَ فِى أواخرهِ. فيـجبُ التّحذيرُ من هذينِ الكتابينِ.
أما كتابُ الغُنْيَةِ فهوَ من تأليفِ الشّيـخِ عبدِ الـقادرِ لكنْ أَدخَلَ فيهِ بعضُ الـحنابلةِ الـمشبّهةُ كلـمتينِ فاسدتينِ إحداهما أنَّ الشّيـخَ عبدَ الـقادرِ قالَ إنَّ اللهَ فِى جهة السماء وأهلُ السّنّةِ متّفقونَ على أنَّ اللهَ موجودٌ بلا مكانٍ والـقولُ الآخر إنَّ حروفَ الـمُعْجَمِ قديمةٌ أىْ ليس لوجودها ابتداءٌ وهذا أيضًا خلافُ مَذهبِ أهلِ السّنّةِ. مذهبُ أهلِ السّنّة أنهُ لا قديمَ لا ابتداءَ لوجودِهِ إلا اللهُ. الأصواتُ وحروفُ الـمُعْجَمِ العربيّةُ وغيرُها كلُّها مخلوقةٌ مَا كانَت مَوجودةً قبلَ أنْ يَخْلُقَ اللهُ الـماءَ والعرشَ فيـجبُ على العلـماءِ التّحذيرُ الشّديدُ مِن هذهِ الأشياءِ.
والذينَ أَدْخَلُوا على الشّيـخِ عبدِ الـقادرِ فِى كتابهِ الغُنيةِ هاتَيْنِ الـمقالَتَينِ همُ الذينَ يعتقدونَ أنَّ اللهَ متكلّمٌ بالصّوتِ والـحرف. وأهلُ السّنّةِ يقولونَ اللهُ متكلّمٌ بكلامٍ أزلِىّ أبدِىّ ليسَ صوتًا ولا حرفًا. هكذا قالَ إمامُ أهلِ السّنّةِ أبو الـحسنِ الأشعرِىُّ والإمامُ أبو مَنصورٍ الـماتريدِىُّ.
الوهابيّةُ مشبّهةٌ يقولونَ اللهُ يتكلـم بالـحرف والصوت كما نحن نتكلـم. أهلُ السّنّةِ يقولونَ الـقرءانُ لهُ إطلاقانِ أحدُهما الـحروفُ التِى أخذَها جبريلُ منَ اللوحِ الـمـحفوظِ وقرأَها على الرّسولِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ والإطلاقُ الآخرُ كَلامُ اللهِ الذِى ليسَ حرفًا ولا صوتًا وليسَ لهُ ابتداءٌ ولَا انتهاءٌ. وهذا الـقرءانُ الذِى هوَ مؤلَّفٌ منَ الـحروفِ عبارةٌ عن ذلكَ الكلامِ.
وهذا الدّسُّ ليسَ بعيدًا فقَد دُسَّ على الشّيـخِ عبدِ الوهّابِ الشَّعْرَانِىّ فِى بعضِ كتبهِ ما ليسَ من كلامِه فِى حياتهِ لأنهُ فِى تلكَ الأزمنةِ الكتبُ الـمُؤَلَّفَةُ يَكْتُبُها الـمؤلّفُ أو يُمْلِى على شخصٍ فيكتبُ هذا الـمُسْتـملِى ثمّ النّاسُ يَسْتَنْسِخُونَ مِن هذا الكتابِ نُسَخًا مُتعددةً. كان يُمْكِنُهُم بسُهولَةٍ التّغييرُ والتّحريفُ لأنَّهُ لـم تَكُنْ فِى تلكَ الأيامِ هذهِ الـمطابِعُ.
انتهى والله تعالى أعلـم.



جامع الخيرات
الجزء الثاني

قائمة جامع الخيرات 2