من كتب العلّامة الهرري كتاب جامع الخيرات - الجزء الثاني
 بيان ما هو الشرك وأحوال الناس بعد الـموت

الدرس الثامن والثلاثون
بيان ما هو الشرك وأحوال الناس بعد الـموت

جامع الخيرات - الجزء الثاني

جامع-الخيرات
    درس ألقاه الـمـحدث الشيـخ عبد الله بن مـحمَّد العبدرىّ رحمه الله تعالى سنة سبع وتسعين وثلاثمائة وألف من الهجرة الموافق لسنة سبع وسبعين وتسعمائة وألف ر وهو فِى بيان معنـى الشرك وأحوال الناس بعد الـموت.
قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً:.
    الـحمد لله ربّ العالـمين وصلى الله على سيِّدنا مـحمَّد أشرف الـمرسلين وعلى  ءالـه وصحبه الطيبين الطاهرين.
أما بعد فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلـم: "اجتنبوا السَّبْعَ الـمُوبِقَاتِ" قالوا وَمَا هُنَّ يا رسولَ اللهِ؟ قال: "الشّرْكُ بِاللهِ وَالسّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ التِى حَرَّمَ اللهُ إلَّا بِالـحَقّ وَأَكْلُ الرّبَا وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ وَالتَّوَلّى يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الـمُحْصَنَاتِ الغَافِلَاتِ الـمُؤْمِنَاِت"1 اهـ رواه البخارِىُّ.
يقول الرسولُ عليه الصَّلاة والسَّلام ابتعدوا عن هذه الـمعاصى السبع الـموبِقات أىْ الـمُهْلِكاتِ لأنَّ كُلَّ واحدةٍ مِن هؤلاء السبعِ تُهْلِكُ مَن ارْتَكَبَها فِى الآخِرَةِ.
    الأُولَى مِن هؤلاء هِى الشركُ بالله معناه عِبادةُ غيرِ اللهِ، معنـى عبادةِ غيرِ اللهِ التَّذَلُّلُ لغير الله نهايةَ التذلل فمَن تَذَلَّلَ لغير الله نهايةَ التذلل فقد أشركَ بالله عَبَدَ ذلك الشىءَ الذِى تَذلل له نهايةَ التذلل. وذلك هو الذنب الذِى لا يُغفر لأنه كفرٌ الذِى تذلل لغير الله نهاية التذلل فقد أشرك. عَبَدَ غير الله كالذِى يسجد لصنـم. أما السجود الذِى سَجَدَهُ الـملائكةُ لآدم لـما أَمَرَهُمُ اللهُ تعالَى فذلك ليس شِرْكًا لأنَّ الله هو أمرهم بالسجود تعظيمًا لآدم واحترامًا له لا عبادةً لآدم، حتى يعرفوا أن هذا الإنسان الذِى خَلَقَهُ اللهُ تعالى له شأن عظيم عند الله لذلك أمرهم أنْ يسجدوا له تعظيمًا وتحيةً لا عبادةً لآدم فذلك ليس من الشرك لأنهم لولا أنَّ الله أمرهم أنْ يـحترموه بهذا السجود الذِى هو سجود تحية ما سجدوا له فأولئك ما أشركوا بالله بل أطاعوا الله تعالى لأنهم ما سجدوا هذا السجود إلا طاعة لله.
ألسنا نحن نحب الأنبياء ونحترمهم لأنَّ الله أمرنا أن نحب الأنبياء ونحترمهم وكذلك فِى ذلك الوقت فرض الله تعالى على الـملائكة أنْ يسجدوا لآدم ليعلـمهم أنَّ هذا الذِى هو خلقٌ جديدٌ سيكون له شأن عظيم عند الله ومرتبة ليست لغيره ليست لأحدٍ من الـملائكة ولا من غيرهم الله تبارك وتعالى له أنْ يأمر عباده بـما يشاء وله أنْ يَنْهَى عباده عما يشاء، له أنْ يُحَرّمَ علينا ما يشاء وله أنْ يفرض علينا ما يشاء. وكان مما أُمِرَ به الـملائكةُ أن يسجدوا لآدم فِى أَوَّلِ نَشْأَةِ ءادم فِى أول ظهوره كان مما فرض الله تعالى على أولئك الـملائكةِ أنْ يسجدوا لآدم تحيةً وتعظيمًا لا عبادةً لآدم لأنَّ الله لا يأمر أنْ يعبدوا غيره فكان الفعلُ الذِى فعلوه فِى ذلك الوقت من السجود لآدم حقًّا بل كان لهم فيه ثوابٌ لأنَّ الله أمرهم، ثم لـما أنزل الله تبارك وتعالى الوَحْىَ على مـحمد حَرَّمَ أنْ يسجد أحدٌ لأحدٍ صار حرامًا أنْ يسجد أحد لأحد. كان مُعاذ بنُ جَبَلٍ جاء مِن بَرّ الشام فلـما قَدِمَ إلى الـمدينة سجد لرسول الله صلى الله عليه وسلـم فقال له رسول الله: "ما هذا"؟ قال معاذٌ: يا رسول الله إنّى وجدتُ أهلَ الشام يسجدون لبطارقتهم وأنت أولى بذلك، فقال: "لا تفعلْ لو كنتُ ءَامُرُ أحدًا أنْ يسجد لأحد لأمرت الـمرأة أنْ تسجد لزوجها" اهـ2 الـمعنـى أنَّ الله حَرَّمَ أن يسجد أحدٌ لأحد لا بِنِيَّةِ التعظيم ولا بنية العبادة لا بنية الاحترام ولا بنية العبادة، الله تعالى حَرَّمَ ذلك فيما أنزله مِنَ الوَحْىِ على سيدنا مـحمد صلى الله عليه وسلـم أما لـما خُلِقَ ءَادَمُ  فالله أمر الـملائكة أنْ يسجدوا له تعظيمًا وتحيةً لا عبادة لآدم وذلك ليس من الشرك.
الشركُ هو مثلُ أنْ يسجد إنسانٌ لإنسان مِثْلِهِ عبادةً له أىْ ليتذلل له نهاية التذلل أو أن يسجد لصنـم أو لإبليس ونحوُ ذلك. هذا هو الشرك وهو أكبر الذنوب عند الله ثم كذلك سائر أنواع الكفر عند الله أعظم الذنوب. من الكفر تكذيبُ الرسول صلى الله عليه وسلـم أو سَبُّهُ أو سَبُّ أىّ نَبِىّ من أنبياء الله وكذلك سبُّ مَلَكٍ مِنْ ملائكة الله جبريل وإسرافيل وعَزرائيل. اليهود كانوا يقولون عن جبريل إنه عدوٌّ وهؤلاء الذين لا يستسلـمون لقضاء الله تعالى يسبون عزرائيل ويـجعلونه كأنه خلقٌ معتدٍ ظالـمٌ يفرق بين الـحبيب وحبيبه وبين الأم وولدها ظلـمًا وعدوانًا يعتبرونه هكذا فيشتـمونه ويلعنونه هؤلاء مثل اليهود فِعْلُهُم كفرٌ، وكذلك إنكارُ ما جاء به رسول الله كإنكار الصلوات الـخمس وإنكار صيام رمضان وإنكار الـحج وإنكار الزكاة وإنكار تحريم الـخمر وإنكار تحريم الزنـى ونحوِ ذلك مما هو تكذيبٌ للرسول صلى الله عليه وسلـم فهو كفرٌ.
الكفر سائر أنواعه لا يغفره الله تعالى إنـما يمـحوه الإسلامُ، الله تعالى يغفر الكفر بالإسلام. نوحٌ عليه السلام كان يقول لقومه لـما وقعوا فِى الشرك فعبدوا غير الله عبدوا الأصنام الـخمسة كان يقول: ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا3 أى ادخلوا فِى الإسلام حتى يغفر لكم اتركوا عبادة الأوثان واعبدوا الله وحده وءامنوا أَنّى نبىُّ الله بهذا يغفر الله لكم. هذا معنـى الآية ليس الـمعنـى قولوا أستغفر الله أستغفر الله يُغْفَرْ لكم إشراكُكم وتكذيبُكم لنبيّه للنبىّ نوحٍ الذِى أرسله إليكم إنـما معنـى: ﴿اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ﴾ هنا أى اطلبوا منه مغفرة ذنوبكم بالإسلام لأن الكفر لا يُمْحَى إلا بالإسلام، مَن أسلـم وترك ذلك الكفر الذِى كان عليه فقد استغفر ربه. الإسلامُ نَفْسُهُ استغفارٌ طلبُ الـمغفرة مِن الله تعالى، لـما يـخرج الكافر مِنْ كُفْرِهِ الذِى كان فيه ويدخل فِى الإسلام هذا استغفارٌ أى طلبٌ من الله تعالى أن يمـحو هذا الكفر. ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا﴾ معناه اطلبوا مغفرة كفركم بالدخول بالإسلام.
ثم من أنواع الشرك عبادةُ الكواكب. السحرةُ الذين يستعملون السحرَ يعبدون الكوكب يلبسون لباسًا خاصًا للاستنجاد بالشمس يستقبلون الشمس بِزِىّ خاصٍّ يبخرونه ببخورٍ خاصّ ثم يستقبلون الشمس فيقولون السلام عليك أيتها السيدة الـمنيرة افعلى لنا كذا وكذا نرجو منك كذا وكذا. كذلك للقمر له طريقةٌ خاصة عندهم فِى كيفية عبادته، يلبسون لباسًا خاصًّا ثم يبخرون بخورًا خاصًا غير البخور الذِى يقولون إن الشمس تحبه ويستقبلون الـقمر ويـخاطبونه متذللين متواضعين متـمسكنين السلام عليك أيها السيد الـمنير افعل لنا كذا وكذا، وكذلك لخمسة من الكواكب الأخرى لهم طريقةٌ خاصةٌ فِى عبادة كلٍّ منها. هذا أيضًا شرك كفر.
النبىُّ عليه الصَّلاة والسَّلام ذكر فِى هذا الـحديث الشرك، وكلٌّ أنواع الكفر مثلُ الشرك أىْ عبادةُ غيرِ الله كفرٌ وتكذيبُ رسول الله كفرٌ والاستهزاءُ به كفرٌ وإنكارُ دِينِهِ وسبُّ أىّ نبىّ مِن أنبياء الله كفرٌ وكذلك احتقارُ أىّ نبىّ مِن أنبياء الله كفرٌ وكذلك سبُّ ملكٍ من ملائكة الله جبريل أو عزرائيل وغيرِهِما كفرٌ، والكفر بسائر أنواعه رأسُ الذنب لا يوجد ذنب أعظم من الكفر. لا يُعَادَلُ الكفرُ بـمئاتٍ مِن السرقة وبـمئات من الـقتل لا يُعَادَلُ.
الكفرُ هو أعظم الذنوب عند الله لو كان الإنسان يسرق أكفان أموات الـمسلـمين يفتح قبورهم ويأخذ أكفانهم ليبيعها ويأكلها ويقتل الـمئات من النفوس البريئة الـمسلـمة ويسكر ويـخمر وَيَزْنِى وَيَعْتَدِى ويغشّ، مهما فعل من الذنوب والـمعاصِى فلا يُعادَلُ ذلك بالكفر. الكفرُ هو الذنب الذِى لا يغفره الله تعالى.
بعضُ الناس الذين لا يفهمون إذا قيل لهم إنَّ إنسانًا سبَّ الله تعالى أو سبَّ النبىَّ مسبةً واحدةً وءَاخَرَ يسرق على الدوامِ أموالَ الناس ينهب هذا ويقتل هذا ويضرب هذا ولكنه يؤمن بالله ورسوله مسلـمٌ أىُّ هَذين أفضلُ أىُّ هَذين أشرفُ، يقولون هذا الذِى يَسُبُّ الله تعالى أو يسبُّ النبىَّ لكنه لا يَعْتَدِى ولا يُؤْذِى أحدًا يقولون هو الأشرف، ويقولون أيضًا الـمسيـحىُّ الشريف أفضل من الـمسلـم غير الشريف هؤلاء عند الله تبارك وتعالى كفارٌ، عند الله تبارك وتعالى كفار. الـمسلـم الكامل يبتعد عن هذه الأشياء كلّها لكن إذا وُجِدَ مسلـمٌ رذيلٌ لكن لا يسبُّ الله ولا يسبُّ النبىَّ ولا يسبُّ الـملائكة لا يكفر أىَّ كفرية يتجنبُ الكفرَ بجميع أنواعه لكنه فيه هذه الـخصال أنه يسرق وينهب ويقتل ويضرب وءَاخَرُ نصرانـىٌّ يعبد الـمسيـح وَيُكَذّبُ مـحمدًا أو من عادته أنه يسبُّ الله أىُّ الرجلين عند الله تبارك وتعالى خيرٌ، هذا الـمسلـمُ الذِى هو رذيلٌ خائنٌ خبيثٌ نهَّابٌ سَرَّاقٌ هذا أفضلُ عند الله وذلك لأن الله تعالى قال: ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ4 شرُّ الدواب عند الله أىْ شَرٌّ من يَمْشِى على وجه الأرض الكفارُ. الله تبارك وتعالى أخبرنا فِى الـقرءان الكريم أنَّ الكفار شرُّ ما يمشى على وجه الأرض، والرسول عليه الصَّلاة والسَّلام قال: "والذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَمَا يُدَهْدِهُهُ الـجُعَلُ بِأَنْفِهِ خَيْرٌ مِن ءَابائكم الذين ماتوا فِى الـجاهلية" اهـ5 أىِ الذين كانوا يعبدون الأوثان أىِ إنَّ الذِى يسوقُهُ الـجُعَلُ بأنفه أى الـقَذَرُ الذِى يـخرج مِنْ بَنِى ءَادَم  ثم الـجُعَلُ أى الـخنفساء يسوقه بأنفه ليتخذه قوتًا هذا الـقذرُ خير من أولئك الـمشركين، وهكذا كلُّ خَلْقِ اللهِ مِن حشرةٍ أو بهيمة عند الله تعالى خيرٌ وأفضلُ من الكافر لكن الـمسلـم الكامل هو الذِى سَلِمَ الـمسلـمون مِن لسانه ويده، هذا الـمسلـم الكامل، لا يكون مؤمنًا كاملًا حتى يُؤَدّىَ جميعَ ما افترض الله عليه ويـجتنبَ جميعَ ما حَرَّمَ الله عليه.
الـمـحرماتُ معروفةٌ، الكبائر والصغائر ما حَرَّمَهُ الشرعُ فهو حرامٌ فالـمسلـم الذِى يـجتنب الـمـحرمات جميعَها وَيُؤَدّى ما افترض الله عليه مِن صلاة وصيام وزكاة وغير ذلك ويأمر بالـمعروف ويَنْهَى عن الـمنكر ويطعم الـجائع إن استطاع ويكسو العارِىَ إن استطاع فهذا هو الـمسلـم الكامل وله امتيازٌ عن الـمسلـمين العاديين، لَهُ امتيازٌ فِى الآخرة الـمسلـمُ الذِى وصل إلى هذه الدرجة أنه يُؤَدّى جميعَ ما افترض الله عليه ويـجتنبُ جميعَ ما حَرَّمَ الله عليه.
ومن جملة ما افترض الله تَعَلُّمُ العلـم الذِى لا يستغنـى عنه مِن علـم الدين من علـم التوحيد وأحكام الصَّلاة ومعرفة معاصى الـقلب ومعرفة معاصى السمع والبصر والعين والرجل والبطش والبطن والفرج فَمَنْ أَدَّى جميع الواجبات واجتنب جميع الـمعاصِى فهذا له مزيةٌ فِى الـقبر والآخرة أما فِى الـقبر فإنَّ الله تعالى يـجعل له قَبْرَهُ روضة من رياض الـجنة وَيُوَسّعُهُ عليه سبعين ذراعًا فِى سبعين يملؤه نورًا كنور الـقمر ليلةَ البدر ولا يُسَلّطُ عليه هامّةً ولا نـملًا أو غيرها ويملأ قبره من رائحة الـجنة.
الأنبياء بعد ما ماتوا لا يسكنون الـجنة مع أنهم أفضل خلق الله بل يسكنون قبورهم، أحياهم الله فهم يُصَلُّونَ فِى قُبُورِهِمْ  وقُبُورُهُمْ رياضٌ مِن رياض الـجنة لا يَشْكُونَ ضِيقًا لا يَشْكُونَ شيئًا يشمئزون منه لا يشكون شيئًا يؤذيهم.
الروح تُعَادُ بعد برهةٍ وجيزةٍ إلى الـجسد فأرواحُ الأنبياء تَظَلُّ مع أجسادهم فِى الـقبور إلى يوم الـقيامة، ثم يومَ الـقيامة عندما ينفخ إسرافيل فِى الصُّور يصْعَقُونَ أىْ يُغْشَى عليهم ليس مِن الـخوف وليس من الألـم أو الفزع إنـما الأمر كتبه الله تعالى وَحَتّـمهُ يُغْشَى عليهم ثم يعودون إلى صَحْوِهِمْ فيـخرجون مِن الـقبور أما أرواحهم ما فارقتهم إلا تلك اللحظةَ لـما كانوا على وجه الأرض وقُبِضَتْ أرواحهم فصعد بها إلى السماء السابعة، ملائكة الرحمة صعدوا بأرواحهم ثم عادوا بأرواحهم إلى هذه الأرض ثم أُعيدت أرواحهم إلى أجسادهم فِى الـقبر بعدما دُفِنَ الـجسدُ فورًا. هذا لأرواح الأنبياء ولأرواح غير الأنبياء حتى الكفار بعدما تُدْفَنُ أجسادهم فِى الـقبر أَرْوَاحُهُمْ تُعَادُ إلى أجسادهم.
الكفارُ لـما يموتون تأخذُ أرواحهم ملائكةُ العذاب ويصعدون بها فِى هذا الفضاء فالـملائكة الذين بين الأرض والسماء وهم أفواج ليسوا فوجًا واحدًا يقولون لهم ماذا هذا الروح الـخبيث فيقال لهم هذا فلان بن فلان فيقال لهم اطرحوه ثم ينزلون به من باب الأرضِ هذه والأرضُ لها بابٌ خلقه الله تعالى يوم خلق السموات والأرض ينزلون بهذا الروح من هذا الباب إلى الأرض السابعة إلى مكان يسمى سِجّين حتى يُسَجَّلَ اسْمُهُ هناك ثم يُعاد إلى هذه الأرض فلـما يُدْفَنُ الـجسد فِى الـقبر تعود روح الكافر  إلى جسده هذا ثم لا يفارقه إلى أنْ يَبْلَى الـجسد أىْ إلى أن يأكل الترابُ الـجسدَ لكنه يكون فِى نكد شديد فِى قبره ظلـمةٌ وضيقٌ وضغطةُ الـقبرِ وتسليطُ حَيَّاتٍ عليه غير الـحَيَّاتِ التِى نعرفها نحن، توجد حيات خلقها الله تعالى لتعذيب الكافرين فِى قبورهم. ثم كلَّ يومٍ قبل الظهر مرةً أول النهار وءَاخِرَ النهار مرةً يُعْرَضُ عليه مقعدُهُ الذِى يقعده فِى جهنـم يوم الـقيامة يقول له الـمَلَكُ الـمُوَكَّلُ به من ملائكة العذاب يقول هذا مقعدك حتى تبعث إليه يوم الـقيامة. بالنظر إليه يدخلُهُ ضيقٌ وفزعٌ وخوف وارتعاب شديدٌ، يدخل عليه نكد شديد كلـما يَنظر أولَ النهار وءَاخِرَ النهار إلى جهنـم التِى هِى تحت الأرض السابعة تحت الـمكان الذِى سُجّلَ فيه اسْمُهُ، بهذا النظر يتنكد برؤيته لـمقعده فِى جهنـم كلَّ يومٍ مرتين يتعذب ثم بضيق الـقبر وظلـمة الـقبر ووحشته والـهوام التِى تُسَلَّطُ عليه يتعذب بها ثم بعد أن يأكل الترابُ جَسَدَهُ رُوحُهُ يُنْقَلُ إلى سجين إلى الأرض السابعة إلى الـمكان الذِى سُجّلَ فيه اسمه، يعيش هناك فِى نكد زائد يكون أقرب إلى جهنـم، يكون ما دخل جَهَنَّمَ بل يكون قريبًا من جهنـم، جَهَنَّمُ تكون تحته إلى يوم الـقيامة ثم يوم الـقيامة يعيد الله تعالى الـجسد الذِى أكله التراب يعيد هذا الروح إليه إلى ذلك الـجسد عَيْنِهِ ثم يُحشر ويُبعث ثم يُفضح هناك فِى مجمع يوم الـقيامة ثم يُبعث به إلى جهنـم.
أما الـمسلـم التقىُّ الذِى كان يُؤَدّى جميع ما افترض الله ويـجتنب جميع ما حرم الله عليه هذا قبل أن يموت قبل أن تخرج روحه تأتيه ملائكةُ الرحمة الذين شكلهم غيرُ شَكْلِ ملائكةِ العذاب، ملائكةُ العذاب الله تعالى خلقهم سودًا سودًا مخوفين منظرهم شَىْءٌ مخوفٌ شَىْءٌ مرعب هؤلاء للكفار. أما ملائكة الرحمة بيضٌ كأنَّ وجوههم الشمس يدخل على الـمؤمن التقىّ لَمَّا يراهم الـمؤمنُ التقىٌّ عند سكرات الـموت يدخل عليه السرور وإن كان هو يَتَلَوَّى مِن ألـم الـموت لكن برؤيتهم يدخل عليه فرحٌ مهما كان شاعرًا بألـم الـموت لكنه يفرح برؤيتهم لـما ينظرون إليه نظراتِ استبشارٍ نظرَ إكرامٍ نظرَ إجلالٍ ينظرون إليه بوجهِ تعظيمٍ واحترامٍ وإكرامٍ ويُبَشّرونه فيدخل عليه السرور ثم يأتى عَزرائيل فيبشره ثم بعدما يقبض عَزْرَائِيلُ هذه الروحَ هؤلاءِ ملائكةُ الرحمة يأخذونها فيصعدون بها إلى السموات وفِى كلّ سماءٍ يشيّعه الـمقربون فِى تلك السماء إلى السماء التِى فوقها فيرى هذا الإكرام وهذا التعظيم له فيدخله سرور عظيم وهكذا إلى السماء السابعة ثم يُؤْمَرُونَ بأن يردوه إلى الأرض فيردونه إلى الأرض فيدخل إلى الـقبر بعد ما يدخل الـجسدُ إلى الـقبر، يَدخل الروح الـقبر فيعود هذا الروح إلى جسده ويُوَسَّعُ عليه قَبْرُهُ وَيُنَوَّرُ له كَنُورِ الـقمر ليلة البدر ويُمْلَأُ من رائحة الـجنة لكن كل هذا مـحجوبٌ إلا عنه وعن بعض عباد الله الصالـحين، لو فَتَحَ الناسُ العاديون قبرَ هؤلاء الـمؤمنينَ الأتقياءِ لا يرون هذا الاتساع، اللهُ حجبهم عن رؤيته لا يَرَوْنَ هذا الاتساعَ ولا يرون النور الذِى ملأ هذا الـقبر ولا يَشَمُّونَ تلك الرائحة رائحة الـجنة هم مـحجبون إلا بعض عباد الله الصالـحين، اللهُ تعالى يريه، يُطْلِعُهُ، بعضُ الصالـحين يُرِيهُمُ اللهُ أما أغلب البشر فهم مـحجوبون عن رؤية حالةِ قبر الـمؤمن التقىّ ثم بعدما يأكل التراب جسده يعود هذا الروح إلى الـجنة يدخل الـجنة لكنه لا يأخذُ مكانَهُ الذِى خصصه الله تعالى له لِيَتَبَوَّأهُ يوم الـقيامة، فِى الآخرة يتبوأه لكنه الآن فِى هذه الـمدة له منطلقٌ أرواح الـمؤمنين لهم مُنْطَلَقٌ فِى الـجنة يأكلون من أشجار الـجنة أى الأرواح تأكل وتكون الروح بشكل طائر إلى أن تقوم الـقيامة فيومَ تقوم الـقيامة يعيد الله أجسادهم التِى أكلها الترابُ ويعيد هذه الأرواحَ إلى تلك الأجسادِ ثم تنشقُّ عنهم الـقبور فيـخرجون من الـقبور ثم يُجَازَوْنَ بأعمالـهم لا ينالـهم شَىْءٌ من أهوال يوم الـقيامة، أى من الأمور الـمفزعة، لا يصيبهم شَىْءٌ لا حَرُّ الشمس تؤذيهم يومَ الـقيامة ولا يـحسّون بالـجوع والعطش بل يأكلون قبل أن يدخلوا الـجنة ويشربون وهم لابسون لا يـحشرهم الله تعالى كغيرهم من البشر حفاة عراة بل يُحشرون راكبين ليسوا مشاة بأبدانهم بل يُؤْتَوْنَ بِنُوقٍ لـم تَرَ الـخلائقُ مِثْلَهَا عليها رحائلُ الذهب ثم يدخلون الـجنة فيصيرون فِى نعيم أعظم.
والـمؤمن يَرَى مِن أقربائه مَنْ كان مات على الإيمان أما مَن مات على الكفر لا يَشتاق إلى رؤيته أما إن كان مات على الإيمان....اللهُ تعالى يُذَكّرُهُ به فيشتاق له فيـجتـمع به بسهولةٍ، الاجتـماعُ هناك أسهلُ، هناك بعد دخول الـجنة توجد لكل واحد من أهل الـجنة خيل من ياقوت أحمر له جناحان من ذهب يطير به حيث ما أراد حيث ما شاء لا يتكلف له علفًا لا يتكلف له أن يسقيه ماء لا يتكلف له شيئًا، بلا تعبٍ بلا مؤنةٍ الله تعالى يُسَخّرُ له كلـما أراد أن يطير إلى مكانٍ يطير على هذا الفرس على هذا الـخيل.
ثم فِى الـجنة هؤلاء الـمؤمنون الأتقياءُ لهم ما ليس لغيرهم مِن أهل الـجنة ما لا عينٌ رأتْ ولا أذنٌ سمعتْ ولا خطر على قلب بشر هذا مزيةُ الأتقياء أما الـمسلـمون العاديُّونَ الذين ماتوا قبل أَنْ يَصِيرُوا على هذه الـحال وهى أداء الواجبات كلها واجتناب الـمـحرمات كلها الذين يموتون قبل أن يتوبوا بأن يتداركوا أنفسهم بأداء الواجبات كلها واجتناب الـمـحرمات كلها هؤلاء صنفان صنفٌ اللهُ تعالى لا يعذبهم فِى قبورهم ثم فِى ءَاخِرَتِهِمْ لا يعذبهم يعفو عنهم يسامـحهم وبعضهم يعاقبهم فِى الـقبر وفِى الآخرة6 لكن عُقُوبَتُهُمْ أىْ عذابُهُم فِى الـقبر ينقطعُ بعد برهة من الوقت، يُمْكِنُ بعض الناس يُنَكَّدُ عليه فِى قبره يومًا وبعضُ الناس إلى سبعة أيام وبعضُ الناس إلى أكثر من ذلك7، يُنَكَّدُ فِى الـقبر بعض الـمسلـمين العصاة الذين ماتوا بلا توبة إلى برهة من الزمن ثم ينقطع عنهم العذاب وَيُؤَخَّرُ لهم بقية عذابهم وجزائهم إلى الآخرة فَيُعَذَّبُونَ فِى الآخرة بقيةَ عذابهم ثم يـخرجون من العذاب ويدخلون الـجنة فيعيشون كغيرهم فِى الـجنة فِى نعيم لا ينقطع لا يصيبهم خطر ولا مرض ولا كبر ولا شيـخوخة ولا بؤس لكنهم درجاتٌ هناك الـمسلـمُ العَاصِى الذِى مات بلا توبةٍ كالذِى كان فِى الدنيا يقطع الصلاة أو يشرب الـخمر أو يأكل فِى رمضان بلا عذرٍ أو يعمل نـميمةً بين اثنين
 أو يعمل السحر الذِى ليس فيه كفر8 ليس فيه عبادة كوكب ولا سجود لإبليس ولا نحو ذلك إنـما فيه مزاولةُ أعمالٍ خبيثةٍ دون الكفر فهذا من كبائر الذنوب السحر الذِى إن كان عُمِلَ للتفريق أو عُمِلَ للتحبيب فالـمسلـم الذِى كان يتعاطى شيئًا من هذه الأشياء أو يمنع الزكاة ما كان يُزَكّى أو يأكل فِى رمضان بلا عذر أو كان يُؤْذِى الـمسلـمين يَضْرِبُهُمْ كان يضرب بغير حَقٍّ أو كان يشرب خمرة أو كان يأكل مالَ اليتيم أو كان يطعن فِى مسلـم أو مسلـمة عفيفة يقول فلانة لها خِدْنٌ تعمل الفاحشة معه يقذفها بالزّنَى ونحوِ ذلك هؤلاءِ أهلُ الكبائر هؤلاءِ قسمٌ منهم يُعَذّبُهُمُ اللهُ فِى قبورهم ثم يُؤَخّرُ لهم بقيةُ عذابهم إلى الآخرة فَيُعَذَّبُونَ فِى جَهَنَّمَ.
انتهى والله تعالى أعلـم.
------------------

1- .رواه البخاري في صحيحه بابُ رَمْى المُحصَنَات..
2- ... رواه ابن حبان فِى صحيحه ذِكْرُ تعظيمِ اللهِ حلَّ وعلَا حقَّ الزوجِ على زوجتِهِ.
3- .. سورة نوح/الآية (10).
4- .. سورة الأنفال/الآية (55)
5- .. رواه أحمد باب مُسْنَدِ عبد اللهِ بنِ العبَاس بن عبد المطلِّب، والطبراني فِى "الكبير" باب عِكْرِمَة عن ابن عبَاس  والأوسط باب مَنِ اسْمُهُ ابراهيم".
6- .هذا في الغالب كما يدل عليه كلام بعض الصحابة وإلَّا فقد يعذب الشخص في القبر ثم لا يعذب في الآخرة ذكره شيخنا رحمه الله..
7- .وقال بعض العلماء عذاب القبر للمسلم لا يستمر أكثر من سبعة أيام..
8- ... السحر درجتان قسم منه فيه كفر والعياذ بالله وهناك سحر ليس فيه كفر.


جامع الخيرات
الجزء الثاني

قائمة جامع الخيرات 2