من كتب العلّامة الهرري كتاب جامع الخيرات - الجزء الثاني
 بيان الطريقة الرفاعية

الدرس التاسع والثلاثون
بيان الطريقة الرفاعية

جامع الخيرات - الجزء الثاني

جامع-الخيرات
     درسٌ أعطاهُ الشّيـخُ عبدُ اللهِ بنُ مـحمّدٍ الـهررىُّ رحمهُ اللهُ فِى الـمركز الإسلامىّ فِى نوشاتيل فِى سويسرة ليلةَ الأربعاءِ العاشر مِن ذى الـقَعدةِ سنة عشرين وأربعمائة وألف للهجرة الموافق للخامس عشر من شهر شباط سنة ألفين ر قبل إعطاء الطّريقةِ الرّفاعيّةِ هناكَ وهوَ فِى بيانِ الطّريقةِ الرّفاعيّةِ وكونِها سنّةً حسنةً.
قالَ رحمهُ اللهُ تعالى رحمةً واسعةً:
الـحمدُ للهِ ربّ العالـمينَ والصّلاةُ والسّلامُ على سيّدِ الـمرسلينَ وعلى جميعِ إخوانهِ منَ النّبيينَ وعلى ءالـهِ الطّاهرينَ.
أمّا بعدُ فقَد قالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم: "مَنْ سَنَّ فِى الإسلامِ سُنَّةً حسنةً فَلَهُ أجرُها وأجرُ مَن عَمِلَ بها بعدَهُ لا يَنْقُصُ مِن أجورِهم شىءٌ ومَن سَنَّ فِى الإسلامِ سُنَّةً سَيّئَةً كانَ عليهِ وِزْرُهُ وَوِزْرُ مَن عَمِلَ بها بعدَهُ" اهـ1 فمَن فَتَحَ طَريقًا منَ الـخيرِ لَم يَكن قبلَ ذلكَ يوافقُ الـقرءانَ والـحديثَ فلهُ أجرُ تلكَ الـحسنةِ وأجرُ مَن عَمِلَ بها بعدهُ إلى يومِ الـقيامةِ، كلّما عَمِلَ إنسانٌ تلكَ الـحسنةَ هوَ يتجدّدُ لهُ الثّوابُ، كذلكَ مَن عمِلَ عملًا سيّئًا مخالفًا للقرءانِ والـحديثِ يُكتبُ عليهِ وِزْرُهُ وَوِزْرُ مَن عمِلَ بهِ بعدَهُ. وهذا الـحديثُ فيهِ بيانُ البدعةِ الـحسنةِ والبدعةِ السّيّئةِ فما أحدثَهُ أهلُ العلـمِ فِى الدّينِ مما لـم يَفعلْهُ الرسولُ إنْ كانَ موافقًا للقرءانِ والـحديثِ ففاعلهُ لهُ ثوابُ عملِهِ لتلكَ الـحسنةِوثوابُ مَن اقتدَى بهِ بعدَ ذلكَ. والذِى يُدخِلُ فِى الدّينِ ما ليسَ منهُ مما يُخالِفُ الـقرءانَ والـحديثَ وِزْرُهُ يُكتبُ عليهِ ووزرُ مَنِ اتَّبعَهُ فِى ذلكَ العملِ.
الطّريقةُ الرّفاعيّةُ والطّريقةُ الـقادريّةُ وغيرُهـما مِن كُلّ طُرُقِ أهلِ اللهِ وهِى نَحْوُ أربعينَ الذينَ أحدَثوها لهم أجرُ عَمَلِهِم ذلكَ ثمّ مَنِ اتَّبَعَهُم فِى تلكَ الـحسنةِ كلَّما فَعَلَها بعدَهم أحدٌ يتجدّد لهم أجرٌ فسيّدُنا أحمدُ الرّفاعِىُّ لَـمّا عَمِلَ طريقتَهُ هذه التِى هِىَ استِغفارٌ مائةَ مرةٍ بلفظٍ مُعَيَّنٍ والصّلاةُ على النّبىّ بلفظٍ معيّنٍ مائةَ مرّةٍ ولا إله إلَّا الله مائةَ مرّةٍ لَمّا أَحدثَ هذا كُتِبَ لَهُ أجرُهُ ثم أجرُ كلّ مَن يَعْمَلُ بطريقتهِ إلى يومِ الـقيامةِ. وكذلكَ غيرُهُ مِن أهلِ اللهِ الذينَ عَمِلُوا الطّريقةَ كالشّيـخِ عبدِ الـقادرِ الـجيلانـىّ فَطُوبَى ثم طُوبى أىْ لهُ خيرٌ كثيرٌ لـمن يعملُ سنةً حسنةً موافقةً للقرءانِ والـحديثِ ثمّ تَبِعَهُ عليها غيرُهُ وويلٌ ثم ويلٌ لِمَنْ يُحْدِثُ عملًا مخالفًا للقرءانِ والـحديثِ باسمِ الدّينِ فإنهُ يُكتبُ عليهِ ذنبُ عَمَلِهِ الذِى عَمِلَهُ بنفسِهِ وذنبُ مَن اتَّبَعَهُ بعدَ ذلكَ إلى يومِ الـقيامةِ.
مثالُ ذلكَ بِدعةُ الوهابيةِ. مـحمّدُ بنُ عبدِ الوهّابِ هو الذِى أحدثَ هذهِ العقيدةَ الفاسِدَةَ فعليهِ وزرُهُ ووزرُ مَن يَتْبَعُهُ بعدَه إلى يومِ الـقيامةِ. وذلكَ مثلُ ما أخبرَ الرّسولُ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم بهِ أنهُ كلّما قَتَلَ إنسانٌ إنسانًا ظُلْمًا يُكْتَبُ على ابنِ ءادمَ الأوَّلِ الذِى هوَ أَوَّلُ مَن قَتَلَ إنسانًا ظلـمًا يكونُ لهُ نصيبٌ مِن تلكَ الـمعصيةِ. ءادمُ عليهِ السّلامُ أحدُ ابْنَيْهِ حَسَدَ ابْنَهُ الآخرَ على ما أنعمَ اللهُ بهِ عليهِ فَقَتَلَهُ فهذا الذِى قَتَلَ أخاهُ هوَ أوَّلُ مَن قَتَلَ قَتْلًا مُحَرَّمًا فهوَ يُجَدَّدُ لهُ مَعصيةُ قَتْلِ الظلـمِ كلّما حصلَ فِى الدّنيا إلى يومِ الـقيامةِ. وأمثالُ ذلكَ كثيرٌ. هذا زعيمُ الوهّابيّةِ مـحمّدُ بنُ عبدِ الوهّابِ هوَ أَوَّلُ مَن حَرَّمَ قولَ يا مـحمدُ وهوَ أوّلُ مَن حَرَّمَ تعليقَ الـحُرُوزِ التِى فيها قرءانٌ وهو أوَّلُ مَن حَرَّمَ عَمَلَ الـمولِدِ فِى شهرِ ربيعٍ الأولِ شكرًا للهِ على إظهارِ سيّدنا مـحمّدٍ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم فِى مثلِ ذلكَ الوقتِ.
فَلْيَحْذَرِ الإنسانُ أنْ يَعْمَلَ فِى الدّينِ أمرًا جديدًا يُخالفُ الـقرءانَ والـحديثَ فإنهُ يُكْتَبُ عليهِ ذنبُهُ ومثلُ ذنبِ مَن يَعْمَلُ بعدَهُ تلكَ الـمعصيةَ. كانَ الرّسولُ عليهِ السّلامُ يُنادَى فِى وجهِهِ يا مـحمّدُ ثمّ حَرّمَ اللهُ تعالى أن يُنادَى فِى وجههِ يا مـحمّدُ فَبَقِىَ نِداؤهُ فِى غيرِ وجههِ جائزًا لـم يُحَرّمْهُ أحدٌ إلا هذا الـخبيثُ الدّجّالُ مـحمّدُ بنُ عبدِ الوهّابِ.
لـماذا حَرَّمَ اللهُ أنْ يُنادَى فِى وجهِهِ يا مـحمّدُ بعدَما كانَ جائزًا لأنَّ بعضَ النّاسِ الـجُفاةِ الذينَ ليسَ عندَهم أدبٌ جاءُوا فوقَفوا خلفَ حُجَرِ رسولِ اللهِ فنادَوْهُ يا مـحمّدُ اخرجْ إلينا فحرَّمَ اللهُ أن يُنادَى يا مـحمّدُ فِى وَجْهِهِ تَشريفًا لهُ ولَم يزلِ الـمسلـمونَ بعدَ موتهِ عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ يُنادونهُ يا مـحمّدُ طلبًا للبركةٍ. اثنانِ منَ الصّحابةِ فَعَلَا ذلكَ ثمّ إلى يَومِنا هذا علـماءُ الإسلامِ والعوامُّ يقولونَ يا مـحمّدُ طلبًا للبركةِ منَ اللهِ بالتَّوَجُّهِ بهِ عليهِ السّلامُ.
بعدَ هذهِ التّرجمةِ نُلَقّنُ الطّريقةَ الرّفاعيّةَ إنْ شاءَ اللهُ. الـحمدُ للهِ وسَلامٌ على عبادِهِ الذينَ اصطفِى أمّا بعدُ فَلْنَذْكُرْ مِن مَناقِبِ سيّدِنا أحمدَ الرّفاعِىّ رَضِىَ اللهُ عنه. كانَ سيّدُنا أحمدُ الرّفاعِىُّ مِن ذرّيّةِ الـحُسينِ بنِ عَلِىّ بنِ أبِى طالبٍ رَضِىَ اللهُ عنهُم كانَ فِى الـقَرْنِ السّادِسِ الـهِجْرِىّ تُوُفِى سَنةَ خمسِمائةٍ وثمانيةٍ وسَبعينَ منَ الـهجرةِ. كانَ يعيشُ فِى العِراقِ وكذلكَ الشّيـخُ عبدُ الـقادرِ كانَ فِى العراقِ. كانَ أولياءُ ذلكَ الزَّمَنِ يَقولونَ الشّيـخُ أحمدُ الرّفاعِىُّ أفضلُ الأولياءِ درجةً. كانَ للشّيـخ أحمدَ الرّفاعِىّ خالٌ اسْمُهُ الشّيـخُ مَنْصُورٌ البَطائِحِىُّ رَضِىَ اللهُ عنهُ رأى الرّسولَ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ فِى الـمنامِ فقالَ لهُ بَشّرْ أختَكَ بأنّها ستلِد بعدَ أربعينَ ليلةً ولدًا يكونُ سيّدَ الأولياءِ كما أنهُ عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ سيّدُ الأنبياءِ. فولدتهُ أُمُّهُ بعدَ أربعينَ ليلةً ثم نَشَأَ نَشْأَةً طَيّبَةً إلى أنْ صارَ أعلـمَ الناسِ بالـقُرءانِ والـحديثِ. كانَ يُدَرّسُ فِى علـمِ الدّينِ أَوَّلَ النّهارِ وءاخِرَ النَّهارِ.أكثرَ شىءٍ كانَ يهتـم بهِ التّوحيد وكانَ يُقرِئُ النّاسَ أيضًا الفقهَ والتفسيرَ والـحديثَ ويـجلسُ يومَ الـخميسِ على كُرْسِىّ الوَعظِ لأنهُ كانَ يأتيهِ الأُمَراءُ والعُلـماءُ وطَلَبَةُ العلـمِ وعامةُ النّاسِ. يـجتـمعُ عندهُ ءالافٌ مُؤلَّفَةٌ، مَرَّةً جَلَسَ على كرسِىّ الوعظِ وكانَ فِى الـمجلسِ ثلاثُ طَوَائفَ مِنَ الكفّارِ يهودٌ ونصارَى وصابِئَةٌ وكانَ مِنَ الـمسلـمينَ خلقٌ كثيرٌ. لـمّا هوَ بَدأَ بالوعظِ رَقَّتْ قلوبُ الناسِ نزلتِ الرَّحمةُ فأسلـمَ مِن أولئكَ الكفّارِ ثمانيةُ ءالافٍ أو أكثرُ وتابَ منَ الـمسلـمينَ الغافلينَ الـمُتلَوّثينَ بالذنوبِ أربعونَ ألفًا فِى الـمجلسِ. وحَصَلَ لهُ مِنَ الـخُلفاء الذينَ خَلَّفَهُم فِى الطّريقةِ ومَن خَلَّفَهُ خلفاؤهُ فِى حياتهِ مائة وثمانون ألفَ خليفةٍ وكانَ يـجتـمعُ فِى السّنةِ فِى ليلةٍ تُسمَّى ليلةَ الـمَحْيَا كانَ يـجتـمعُ عندهُ مائةُ ألفٍ أو أكثرُ ثمّ هو يَكْفِيهِم طعامَهُم وشرابَهم وهذا ما حَصَلَ لأحدٍ مِن أولياءِ هذهِ الأمةِ. هذا سِرٌّ أكرَمَ اللهُ بهِ الشّيـخَ أحمدَ الرفاعِىَّ معَ أنهُ مَا كانَ مَلِكًا ولا وَزيرًا ولا مِن بيتِ الـمُلْكِ والوِزارَةِ.
ثمّ إنَّ اللهَ تعالى أَظْهَرَ للرّفاعيّةِ ءاياتٍ وشواهِدَ على أنَّ لهم عندَ اللهِ شأنًا كبيرًا. اللهُ تعالى ذَلَّلَ لِأَتْباعِ السّيّدِ أحمدَ الرّفاعِىّ الثّعابينَ والعَفاريتَ والنّارَ. مَشهورٌ فِى الشّرقِ والغربِ أنَّ مشايِخَ الرّفاعيّةِ يَدخلونَ الأفرانَ الـحاميةَ فينامونَ فِى جانِبٍ والـخَبّازُ يَخْبِزُ فِى جانبٍ ءاخَرَ لا تُؤَثّرُ فيهم النّارُ ويوقِدُونَ أحيانًا نارًا عَظيمةً فَيَدْخُلُونَها فيذكرونَ اللهَ فيها حتَّى تَنْطَفِئَ لا تؤذيهِم ولا تُحْرِقُ ثيابَهُمْ اهـ
الذِى يَأخذُ الطّريقةَ الرّفاعيَّةَ ويَثْبُتُ عليها ينالُ لُطْفًا كبيرًا فِى حياتهِ وعندَ موتِهِ يَحفَظُهُ اللهُ مِن أنْ يَتَخَبَّطَهُ الشّيطانُ أىْ مِن أنْ يَفْتِنَهُ لأنَّ الشّيطانَ يَبْذُلُ جُهْدَهُ فِى تلكَ السّاعةِ لِيَفْتِنَ الإنسانَ ويُخْرِجَهُ مِنَ الدّينِ. وفِى الآخرَةِ يَلْطُفُ بهِ لُطفًا كبيرًا.
انتهى والله تعالى أعلـم.
------------------

1- رواه مسلـم فِى صحيحه باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة، أو كلمة طيبة وأنها حجاب من نار.


جامع الخيرات
الجزء الثاني

قائمة جامع الخيرات 2