من كتب العلّامة الهرري كتاب جامع الخيرات - الجزء الثاني
 لا تحصل الولاية لـمن لـم يتعلـم علـم الدين

الدرس الـخامس عشر
لا تحصل الولاية لـمن لـم يتعلـم علـم الدين

جامع الخيرات - الجزء الثاني

جامع-الخيرات
    درس ألقاه الـمـحدّثُ الصوفِى العالـمُ الفقيهُ الشيـخ عبد الله بن مـحمَّد العبدرىّ رحمه الله تعالى فِى ألـمانية وهو فِى بيان أن الولاية لا تحصل لـمن لـم يتعلـم علـم الدين.
قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً:
الـحمد لله رب العالـمين والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.
أما بعد فإن الله تبارك وتعالى قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةُ أَلَّا تَخَافُواْ وَلَا تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ1.
الله تعالى وَصَفَ الأولياءَ فِى تلك الآية قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ﴾ أى الذين ءامنوا بالله أى عَرَفُوا اللهَ كما يـجب ﴿ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ ثم ثَبَتُوا على طاعة الله لزموا طاعةَ الله أى عَمِلُوا كلَّ ما هو فرضٌ وتركوا كلَّ ما هو معصيةٌ هؤلاء تتنزَّل عليهم الـملائكةُ، الـملائكةُ يُبَشّرُونَهُم قبل خروجهم من الدنيا أنْ لا خوفٌ عليهم ولا هُمْ يـحزنون. هذا شرطُ الولىّ. الاستقامةُ بطاعة الله أى لزومُ طاعةِ اللهِ أداءِ الواجباتِ واجتنابِ الـمـحرمات بدون هذا لا يكون الإنسانُ وليًّا.
ثم الأولياءُ لهم وجود فِى الإنس وفِى الـجن لكن أولياء الإنسِ أكبرُ لأنَّ الإنس أفضلُ خلق الله لوجود الأنبياء فيهم، لولا الأنبياءُ لكانت الـملائكةُ أفضلَ مِن كلّ خَلْقِ الله لكن لوجود الأنبياء فِى البشر نقول البشر أفضل من الـملائكة.
وأَوَّلُ شرطٍ للولاية أنْ يَعْرِفَ اللهَ كما يـجب، اللهُ تبارك وتعالى موجودٌ لا كالـموجوداتِ لا هو كالنورِ ولا هو كالظلامِ ولا هو كالـجسم اللطيف ولا هو كالـجسم الكثيف لا هو كالـملائكة والـجن والريـح أى الـهواءِ ولا هو كالروح ولا هو كأجسام الإنسان ولا هو كالـجمادات الشمسِ والـقمرِ والكواكبِ لا يُشْبِهُ شيئًا مِن الأشياء لو كان يشبه شيئًا من الأشياء ما استطاع أنْ يَخْلُقَ هذا العالـمَ، لو كان يشبه الإنسانَ ما استطاع أن يـخلق الإنسان، لو كان يشبه النور ما استطاع أن يـخلق النور. الله موجودٌ بلا مكان، البشرُ لهم مكانٌ والـملائكة لهم مكان، السمواتُ السبعُ مسكنُ الـملائكةِ، كلُّ سماءٍ لا يوجد فيها مَوضِعُ أربعِ أصابِعَ فارغٌ ليس فيها موضع مثل هذا إلا وفيه مَلَكٌ قائمٌ أو راكعٌ أو ساجدٌ ثم فوق ذلك العرشُ الكريمُ، فوق ذلك كلّه بعد الكرسىّ وبعد الـجنةِ يوجدُ العرشُ هذا أكبر خلق الله. اللهُ تعالى خَلَقَهُ إظهارًا لِقُدْرَتِهِ حتى يزداد الـملائكةُ الذين هناك حول العرش عِلْمًا بكمال قدرة الله. ومِن الـملائكة مَن خِلْقَتُهُم عظيمةٌ، بعضُهم مِن شَحْمَةِ أُذُنِهِ إلى عاتقه مسافةُ سبعِمائةِ عام باعتبار طيرانِ الطير هؤلاء مع عظم خِلقتهم لـمَّا يَرَوْنَ هذا العرشَ الذِى هو لا يَعْلَمُ حَدَّهُ إلا اللهُ يزدادون خشيةً مِن اللهِ وعِلْمًا بكمال قدرته. اللهُ تبارك وتعالى لا كأولئك ولا كشىءٍ مِن الأشياء يستحيلُ عليه اللونُ والشكلُ والـحَدُّ، اللهُ ليسَ له حَدٌّ صغيرٌ ولا حَدٌّ كبيرٌ ولا حَدٌّ وَسَطٌ، كلُّ ما تَتَصَوَّرُهُ أيها الإنسانُ ببالك اللهُ تعالى لا يُشْبِهُ ذلك الشىء لا تستطيعُ أنْ تتصورَ الله فماذا نفعلُ نقول اللهُ موجود لا يشبه الـموجودات بلا مكان وبلا شكل.
ثم من شرط الولىّ أن يكون تعلـم العلـمَ الضرورىّ إما قراءةً على عالِمٍ أو تَلَقّيًا شَفَوِيًّا مِن عالِم أى بأن يسمع أمور الدين من إنسان عالـم بدون قراءة فِى كتاب يسمعُ منه يَتَعَلَّمُ منه ما هو حرامٌ ما هو حلالٌ ما هو فرضٌ ثم يُطَبّقُ ذلك يُطَبّقُ ما تَعَلَّمَهُ، يؤدّى كلَّ الواجباتِ ويـجتنب كل الـمـحرمات، ليس شرطًا للولِىّ أنْ يكون عالِمًا بل شرطُهُ أن يكونَ تَعَلَّمَ الـقدرَ الذِى لا بُدَّ منه مِن علـم الدين الـقدرَ الذِى يُمَيّزُ به الـحلالَ مِن الـحرام مِن الكلامِ والنظرِ والـمشى والأكلِ والشربِ والـمالِ، كلّ هذا يكونُ تَعَلَّمَهُ ما أحلَّ اللهُ وما حَرَّمَ اللهُ وأعمالَ الـقلوب حلالَهَا وحرامَها تعلَّم مِن أهل العلـم مِن أهل الـمعرفة.
الشيـخُ عبدُ الـقادر الـجيلانـىُّ رَضِىَ اللهُ عنه كان تَلَقَّى العلـمَ مِن الـمشايِخِ ثم تَجَرَّدَ للعبادة وصار يَسِيـحُ فِى البَرَارِى قَضَى أربعين سنة فِى السياحة ثم رجع إلى الـمُدُنِ يَتَعَلَّم مِن العلـماء بعد أنْ صار وليًّا صار يتعلـم، وقبل أن يصير وليًّا كان تعلـم من الـمشايـخ علـم الدين الضرورى الذِى يُعرف به ما أحل الله مِن كلامٍ ومَشْىٍ وأكلٍ وشربٍ ولباسٍ لأنه ليس كلُّ لباسٍ حلالًا بل مِن اللباس ما هو حلالٌ ومنه ما هو حرامٌ، ومِن الـمالِ، الـمالُ ليس كلُّه حلالًا بل منه حرامٌ ومنه حلالٌ. الذِى تعلـم هذه الأشياءَ الضروريةَ مِن أهل العلـم لو بالـمشافهةِ بأن يَسْمَعَ منه فقط ولو لـم يقرأ فِى كتاب على شيـخ ثم طبَّق ما تعلَّمه أقام الواجباتِ واجتنبَ الـمـحرماتِ كلَّها وزاد على ذلك السننَ هذا ولِىُّ الله. أما مَن ليس كذلك فليس وليًّا، لا يـجوز أن يقال له ولىٌّ لا يـجوز، لو كان أبوه قُطْبَ عصرِهِ لا يُقالُ له وَلِىٌّ إلا إذا سلك مسلك أبيه تعلَّمَ علـمَ الدين الضرورىّ ثم عمِل بالواجبات كلّها واجتنب ما حرم الله كلَّه وأكثرَ مِن السنن عندئذ يصير وليًّا كأبيه كجده، بغير هذا فلا، مستحيلٌ مستحيلٌ. قال الإمام الشافعىُّ: ويُروَى عن أبى حنيفة رضى الله عنهما "ما اتَّخَذَ اللهُ وليًّا جاهلًا ولو اتَّخَذَهُ لَعَلَّمَهُ"2 اهـ أما مجرَّدُ أنَّ جَدَّهُ أو أباهُ ولِىٌّ لا يَكْفِى، لا بُدَّ أنْ يتعلَّمَ هو كما تعلَّمَ أبوه الولِىُّ أو جَدُّهُ الولِىُّ عِلْمَ الدين مِن الـمشايـخِ يَتَعَلَّمُ هو، ثم يَعْمَلُ بهذا العلـمِ يُؤَدّى الواجباتِ التِى تَعَلَّمَها ويَجْتَنِبُ الـمـحرَّماتِ ويُكْثِرُ مِن السُّنَنِ فيكونُ مِثْلَ أبيه أو جده وليًّا. أما إذا كان ما تعلَّم مِن أهل الـمعرفة لا مِن أبيه الولىّ ولا مِن جده الولىّ ولا مِن شيـخٍ ءاخَرَ ثقة يَعْرِفُ عِلْمَ الدين بل اكتفِى بـمجرد أنه ابنُ الشيـخِ الفلانِىّ الولِىّ أو حفيدُ الشيـخِ الذِى هو معروفٌ بالولاية هذا لا يَكْفِى، هذا مستحيلٌ أن يكون وليًّا مستحيلٌ مستحيلٌ مستحيلٌ.
الله تبارك وتعالى خلق عباده أشكالًا وألوانًا، بعضُ الأنبياء طَلَعَ منهم ذريةٌ أنبياءُ، إبراهيمُ وَلَدَ اسحاقَ، إسحاقُ وَلَدَ يعقوبَ، يعقوبُ وَلَدَ يُوسُفَ، هؤلاء كلُّهم أنبياءُ انظروا إبراهيم ثم إسحاق ثم يعقوب ثم يوسف هؤلاء أنبياءُ، وخلق أناسًا على خلاف هذا نوحٌ عليه السلام أولُ الرسل الذين أرسلوا إلى أهل الأرض أى بعد انتشار الناس فِى الأرض ءادم أرسل لأولاده نبيًّا رسولًا وكذلك ابنُهُ شِيثٌ أُرسِل رسولًا كذلك بعد شيث إدريس عليه السلام أُرسِل نبيًّا، بعد إدريس كان الناس قد انتشروا فِى الأرض وحدث فيهم الكفر فأُرسل إليهم رسولُ الله نوحٌ وكان له أربعةُ أولادٍ ذكورٌ ثلاثةٌ مؤمنون والرابعُ كافِرٌ غَرِقَ مع الكفار اللهُ تعالى أَهْلَكَهُ مع الكفارِ بطُوفانِ الـماءِ الذِى أغرقَ البشرَ الكفارَ وسَلِمَ منه الذين ءامنوا بنوحٍ وكانوا نحوَ ثمانين شخصًا مِن ذكورٍ وإناثٍ هؤلاء نَجَوْا لأنهم كانوا مؤمنين تَبِعُوا نوحًا أطاعوه أما ابنُهُ الذِى خالَفَ أباهُ هذا طَلَعَ كافرًا هَلَكَ معَ الكُفّارِ. لا تَغْتَرُّوا بأنَّ فلانًا أبوه ولِىٌّ أو أنَّ جَدَّهُ وَلِىٌّ لا يَغُرَّنَّكُمْ هذا، إنْ لـم يَسْلُكْ سبيلَ أبيه أو جَدّهِ الذِى هو وَلِىٌّ لا تَعْتَبِرُوهُ وليًّا إن رأيتـموه يـخالفُ الشريعةَ أَنْكِرُوا عليه إنْ رأيتـموه يَعْمَلُ الـمعصيةَ قولوا له اتق الله لا تقولوا هذا ابنُ فلانٍ الولِىّ أو هذا حَفِيدُ فلانٍ الولِىّ، هذا جهلٌ، لو كان الأبُ لا يَطْلُعُ منه إلا وَلِىٌّ كان أولادُ نوحٍ كلُّهم أولياءَ لكن الله تعالى شاء فِى الأزل أن يـخلق ثلاثة ذكور مؤمنين من أبناء نوح وءاخَرَ كافرًا.
نحن نَعْرِفُ أناسًا لـم يسلُكوا مَسْلَكَ ءابائهم، ءاباؤهم تعلَّموا علـمَ الدين مِن أهل الـمعرفة مِن الثقاتِ مِن العلـماءِ الأتقياءِ فطلعوا أولياءَ، جَدُّوا فِى طاعةِ اللهِ فصاروا أولياءَ خالَفُوا أهواءهم واتبعوا رضوانَ الله الشىءَ الذِى يـحبه الله فصاروا أولياءَ، أما الذين لـم يتّبعوا ءاباءهم الأولياءَ لأنهم ما تعلـموا العلـم كما تعلـم ءاباؤهم الأولياء أو تعلـموا العلـم لكن ما تبعوا العلـم بل تبعوا أهواءهم، غلب عليهم حبُّ الدنيا حبُّ الـمال، هؤلاء لا يُعتبرون كآبائهم وأجدادهم الذين هم أولياء، ولا تقولوا هذا ابنُ فلانٍ الولِىّ حفيدُهُ، يَغْضَبُ له إذا نحن تكلَّمنا عليه إذا نحن حَذَّرْنَا منه بـما يستحقُّهُ مِن التحذيرِ جدُّهُ يغضب له لا تقولوا، جَدُّهُ لو كان حيًّا لحاربه، كان أَمَرَهُ بأنْ يتعلـم علـم الدين ألزمه بأن يتعلـم علـم الدين لكن الأب أحيانًا يموت والولدُ طفلُ، هذا الطفل إما أن يسلك مسلك أبيه ويتعلـم علـم الدين ويعمل بعمل الدين يؤدى الواجبات ويـجتنب الـمـحرمات فيصير وليًّا وإما أن يطلَع على خلاف ما كان عليه أبوه أو جده فيطلع من العاصين بعيدًا من الولاية.
رجل اسمه زين العابدين كان فِى ديار بكر ثم انتقل إلى إسطنبول، قبل ست سنوات أنا رحت إلى إسطنبول فقيل لى إن زين العابدين حفيد الشيـخ رمضان ابن ابنه هناك يسكن فِى طرف إسطنبول الشرقى قصدناه زرناه فبـمجرد ما دخلنا صار هو يتكلـم، لو كان يتكلـم بـحقّ لكان كلامه على العين والرأس لكن ماذا قال؟ قال: ليس كمثله شىء وهو عينُ الأشياء اهـ معناه الله تعالى هو الإنسان هو البقر هو السماء هو الـجبل هو الـحجر هو الـماء هو الظلام هو الضوء هو الـملائكة والبهائم هو النار هذا معناه وهو عين الأشياء معناه هو كل شىء. نهيناه ما انتهى، ثم تركناه فذهبنا ثم بعد عامين زُرْتُ إسطنبول أرسلت إليه بضعة أشخاص منهم الشيـخَ نِعْمَةَ اللهِ شيـخٌ جليلٌ تُرْكِىٌّ كبيرُ السن ومُحَمَّد فَتَّهْ من أهل معصرتى وثلاثة أشخاص ءاخرين أرسلتُ إليه خمسةَ أشخاصٍ أرسلتُهم إليه ليكلـموه بتلك الكلـمة. صاروا يكلـمونه ساعتين وزيادةً ما كان يرجع عنها فِى الأخير قال لهم إن كانت كفرًا فقد رجعنا عنها أشهد أن لا إله إلَّا الله وأشهد أن مـحمَّدًا رسول الله. ثم قال أنا أزورُ الشيـخَ فِى الغد. أنا كنت نزلت فِى تَرَابِيَه بعيدًا من مـحله، مـحلُّه ءاخرَ إسطنبول تحت الـجبل سفحِ الـجبل أنا فِى وسط إسطنبول كنت نازلًا، ما جاء ما زارنـى قال: أزور الشيـخ فِى الغد ما زارنِى. مثلُ هذا الذِى حَمَلَ اسمَ جَدّهِ الشيـخِ رمضان وادَّعَى الوِلايةَ، بعضُ أتْبَاعِهِ قال لِى فِى إسطنبول إنَّ معه مائةَ ألفِ مُرِيٍد، وهو ضَاٌّل لا يَعرفُ عِلْمَ الدين لا يَعرفُ عِلْمَ العقيدةِ ما عَرَفَ اللهَ، الذِى يقولُ اللهُ كُلُّ شىءٍ هذا ما عَرَفَ اللهَ، جَعَلَ البَشَرَ جُزءًا منه والـجِنَّ والـملائكةَ والـماءَ والشجرَ والـحجرَ كلَّ هذا أجزاءً مِن الله، هذا مثالٌ لهذه الـقضيةِ مثالٌ واحدٌ لهذه الـقضية. وأمسِ منذ جئتُ إلى هنا مـحمد يونس وشاب ءاخرا اسمه وليد على خان قالا: كنا عند نورِ الدين ابنِ الشيـخِ رمضان، فقال الذِى يَرْمِى الـمصحفَ فِى الـقاذورةِ لا يكفر لكن الذِى يَزنِى ويَسرقُ هذا الكافِرُ عكس دين الله، الزانـى والسارق إذا ماتا على الإسلام اللهُ تعالى يغفر لهما إن شاء الله لـمن مات على الإسلام إنْ شاء يغفر له ولو مات على غير توبة إنْ شاء يغفر له وإن شاء يعذبُهُ ثم يُخْرِجُهُ لأنه مُسْلِمٌ، أما إن مات بعد التوبة فكأنه ما عَمِلَ تلك الـمعصيةَ أما الذِى يَرْمِى الـمصحفَ فِى الـقاذورة كافرٌ، فِى الـمذاهبِ الأربعةِ هو كافرٌ عدوُّ اللهِ مثلُ اليهودِىّ والنصرانِىّ وإنْ كان فِى قلبه لـم يعتقد أن الـمصحف ليس حقًّا، هذا مِن شِدَّةِ جهله قَلَبَ الـحقيقةَ عَكَسَ الـحقيقةَ بَدَلَ أن يقول الذِى يرمِى الـمصحف فِى الـقاذورات كافرٌ أما الزانِى والسارقُ مسلـمٌ فاسِقٌ قال قولًا ضِدّ الدين، مِثْلُ هذا لا يُغْتَرُّ به، ثم قال لـمـحمد بن يونس ومن معه قال: أنا شيـخ وأنت شيـخ فلنضرب بالشيش كأنَّ الشّيشَ هو حجةُ الولاية ومنشورُ الولاية، الشيشُ ما لها دَخَلٌ، ثم هؤلاء الذين يضربون بالشيش يتـمرنون على ضرب هذا الـموضع، يطوون هذه الـجلدة يغرزونها أو هذا الـجلد الذِى فِى الـجنب، يُطْوَى ثم يُغْرَزُ يُوهِمُونَ الناسَ أنهم أولياءُ لهم الكراماتُ هيهاتَ هيهاتَ ليس ضرب الشيش مِن شَرْطِ الولاية.
هؤلاء الأولياءُ الذين طارَ صِيطُهُمْ فِى الشرق والغرب الشيـخُ عبدُ الـقادر الـجيلانِىّ والشيـخُ أحمدُ الرّفاعِىّ والشيـخُ أحمدُ البَدَوِىّ والشيـخُ إبراهيمُ الدَّسُوقِىّ ومَن قَبْلَهُمْ كالإمام الـحسن البِصْرِىّ ومَن لا يُحْصَوْنَ مِن أولياءِ اللهِ هؤلاء كلُّهم تَعَلَّمُوا عِلْمَ الدين مِن أهلِ الـمعرفةِ ثم جَدُّوا فِى العمل فِى طاعة الله خالَفوا الـهوَى خالفوا أهواءَهم أهواءَ نفوسِهم وءاثَرُوا مَحَابَّ الله تعالى وأعرضوا عن أهوائهم فصاروا أولياءَ، الولايةُ ليست بالنَّسَبِ الولايةُ بالعِلـم والعَمل.
هذا الشيـخُ عبدُ الـقادِرِ الـجيلانِىُّ عاش نحو تسعين سنة، قَبْلَ أنْ يَسِيـحَ فِى البَرارِى تَعَلَّمَ العِلْمَ مِن أهل الـمعرفةِ مِن العلـماء فِى بغدادَ ثُمَّ غَلَبَ عليه الـحالُ حبُّ الطاعَةِ حُبُّ العِبادَةِ صارَ يَسِيـحُ فِى البرارِى لِيَتَعَبَّدَ اللهَ مِن غير أن يَشْغَلَهُ أحدٌ ظَلَّ يَدُورُ فِى البَرارِى سنينَ طويلةً ثم عاد إلى بغداد ثم طَلَبَ العِلـم مرةً ثانيةً مِن الـمشايـخ وهكذا كان يتعلَّم مِن وقتٍ إلى وقتٍ يَزْدادُ عِلْمًا ما قال أنا صِرْتُ صاحبَ حالٍ أنا أسيرُ فِى البرارِى ولا أخافُ مِن السباعِ ولا مِن الثعابينِ أنا أَنِسْتُ بِذِكْرِ اللهِ أينـما كنتُ أنا قلبِى مُطْمَئِنٌّ مُسْتَأْنِسٌ بِذِكْرِ اللهِ تعالى لا أحتاجُ إلى أنْ ازدادَ عِلْمًا لا، الرسولُ عليه السَّلام الله تعالى قال له: ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِيعِلْمًا3. كلُّ إنسانٍ لا يَهْتـم للعِلْمِ اعلـمُوا أنه بعيدٌ مِن اللهِ ولو كان أبوه قطبَ الأقطابِ لو كان أبوه قطبَ الأقطاب. الشخصُ الذِى ما له عنايةٌ بتعلُّم علـم الدين مِن أهل الـمعرفة هذا اعلـموا أنه بعيد من الله ولا ينفعه كونه ابنَ وَلِىّ مِن أولياءِ اللهِ أو حفيدَ وَلِىّ مِن أولياءِ اللهِ لا يَنْفَعُهُ.
الأولياءُ يُخْفُونَ كَرَاماتِهِمْ لا يُظْهِرُونَها إلَّا لضرورةٍ أو لحكمةٍ شَرْعِيَّةٍ. الإمامُ أحمدُ الرّفَاعِىُّ قال: "الأولياءُ يَتَسَتَّرُونَ مِن كراماتِهم كما تَتَسَتَّرُ النساءُ مِن الـحيض".
أساسُ الإسلامِ الإيمانُ بالله ورسوله أن يُصَدّقُ أنَّ كلَّ ما جاء به سيدُنا مـحمَّدٌ حقٌّ بقلبه وأنَّ اللهَ موجودٌ ولا أحدَ يَسْتَحِقُّ أنْ يُعْبَدَ إلَّا هو هذا أساسُ الإسلامِ ثُمَّ بعدَ ذلك فرائضُ يـجب تأديتُها وهناك مـحرَّماتٌ يـجب تَجَنُّبُهَا الـمسلـمُ الكامِلُ هو الذِى ءامَنَ بالله ورسوله وأدَّى الواجباتِ كلَّها واجتنبَ الـحرامَ كُلَّهُ هذا مسلـمٌ كامِلٌ أمّا الذِى ءامنَ بالله ورسوله ولا يؤدّى الفرائضَ ويرتكبُ الـمعاصِىَ فهو مسلـمٌ ناقِصٌ لكنَّهُ مُسْلِمٌ.

انتهى والله سبـحانه وتعالى أعلـم.
------------------

1- سورة فصلت/ الآية (30).
2- ذكره الـملا علِىّ القارِى فِى مقدمة مرقاة الـمصابيح عند ترجمة الإمام الشافِعِىّ.
3-سورة طه/ الآية (114).


جامع الخيرات
الجزء الثاني

قائمة جامع الخيرات 2