من كتب العلّامة الهرري كتاب جامع الخيرات - الجزء الثاني
 أقسام البدعة

الدرس الثانـى
أقسام البدعة

جامع الخيرات - الجزء الثاني

جامع-الخيرات
   درس ألقاه الـمـحدث الشيـخ عبد الله بن مـحمَّد العبدرىّ رحمه الله تعالى فِى التاسع من شهر جمادى الأولى سنة إحدى وأربعمائة وألف من الهجرة الموافق للخامس عشر من شهر ءاذار سنة إحدى وثمانين وتسعمائة وألف ر فِى بيروت وهو فِى بيان أقسام البدعة.
قال رحمه الله رحمةً واسعةً:
الـحمد لله رب العالـمين وصلاة الله البرّ الرَّحيم والـملائكة الـمقربين على سيدنا مـحمَّد أشرف الـمرسلين وعلى جميع إخوانه من النبيين وعلى ءالـه الطيبين الطاهرين.
أما بعد "فإنَّ أحسنَ الـحديثِ كتابُ الله تعالى وأحسنَ الـهَدْىِ هَدْىُ مـحمدٍ صلى الله عليه وسلـم وشرَّ الأمور مُحْدَثَاتُها وكلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وكلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ"اهـ والـحديثُ رواه مسلـمٌ1 بهذا اللفظِ وعند النَّسائِىّ2 البيهقِىّ 3 زيادةُ "وكلُّ ضَلالَةٍ فِى النار" اهـ
ثم البدعةُ ذَهَبَ الناسُ فِى تفسيرها مذهبين أحدُهما أنَّ البدعةَ قسمانِ إحداهما بدعةُ ضلالةٍ والأخرى بدعةُ هُدَى، قال الشافعىّ رَضِىَ الله عنه فِى ما ثبت عنه بالإسناد الـمتصل: "بدعةُ الضلالة ما كان على خلاف الكتابِ والسنةِ والإجماعِ والأَثَرِ، ما أُحْدِثَ على خلاف الكتاب والسنة والإجماع والأثر". يعنـى بالكتاب الـقرءانَ وبالسنة الـحديثَ وبالإجماع إجماعَ الفقهاء الـمجتهدين أى مجتهدِى أمة مـحمَّد صلى الله عليه وسلـم وبالأثرِ أَثَرَ الصحابة والتابعين لهم بإحسان، قال الشافعىّ رَضِىَ الله عنه فِى تفسير بدعة الضلالة هذا، وأمّا ما أُحْدِثَ ولـم يكن على خلاف ذلك فليس بدعةَ ضلالةٍ، فإذًا قولُ رسول الله صلى الله عليه وسلـم: "وكلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وكلُّ بِدْعَةٍ ضلالةٌ" الـمراد به ما أُحْدِثَ على خلاف الكتاب والسنة والإجماع والأثر فهذه هِىَ التِى حَكَمَ عليها رسولُ الله صلى الله عليه وسلـم بأنها بدعةُ الضلالة ومِن ذلك بِدَعٌ أُحْدِثَتْ فِى الاعتقاد كعقيدة الـخوارج وهِىَ تكفيرُ الـمسلـمِ بارتكاب معصيةٍ هذه أُحْدِثَتْ على خلاف الكتاب والسنة والإجماع والأثر، وأما الكتاب فقوله تبارك وتعالى فِى سورة النساء: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ4 فقوله: ﴿مَا دُونَ ذَلِكَ﴾ يُفْهِمُنَا أنَّ مُرْتَكِبَ الكبيرةِ لا يَكْفُرُ ولا يَخْلُدُ فِى النار خلودًا أبدِيًّا وأنَّ اللهَ يَغْفِرُ الكبيرةَ للـمسلـم إنْ شاءَ ويُعَذّبُهُ عليها إنْ شاء هذا الذِى تعطيه هذه الآية: ﴿وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ﴾.
الـخوارج خالفتْ هذا الذِى جاء به الكتابُ أنَّ الله تعالى يغفر الكبائر لـمن يشاء من الـمسلـمين خالفتْ فقالتْ مرتكبُ الكبيرةِ كافرٌ خارجٌ مِن الإسلام وإنه يَخْلُدُ فِى النار خلودًا أبدِيًّا لـم يَقْصُرُوا الكفرَ على الإشراك بالله تعالى وما فِى معناه كَسَبّهِ تعالى وسَبّ نَبِيّهِ أو أىّ نَبِىّ من أنبيائه أو سبّ مَلَكٍ مِن ملائكته الذين ثبت وشهر بين الـمسلـمين أنهم من ملائكة الله كجبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل وحملة العرش ومالك خازن النار ورضْوان خازن الـجنة، وكُلُّ ما هو تكذيبٌ للرسول صلَّى اللهُ عليهِ وسلـَّم معنًى وإنْ لـم تكن العبارةُ صريـحةً فهو كفرٌ حكمُهُ حكمُ الشرك بالله تعالى وكذلك جَحْدُ ما عُلِمَ أنه من دين الله تعالى ضرورةً أى عِلْمًا ظاهِرًا بين الـمسلـمين لا يَخْتَصُّ به العلـماءُ دون غيرهم بل هو ظاهِرٌ أنه مِن أمور الدين عند العلـماء وغيرِهم كوجوب الصلوات الـخمس وحرمةِ الزّنَى وحرمة شرب الـخمر وأشباهِ ذلك فكل ذلك مُلْحَقٌ بالشرك فكما أنَّ الشركَ لا يُغْفَرُ كذلك هذه الأشياءُ مِن الكفرِ لا تُغْفَرُ إنـما يُغْفَرُ الكُفْرُ بالرجوع إلى الإسلام، إذا كانَ الشخص مُسْلِمًا ثم خرجَ منه فَقَطَعَ إسلامَهُ فإذا رجع عن ذلك الكفرِ فَتَشَهَّدَ غُفِرَ ذلك الكفرُ الذِى وقع فيه برجوعه إلى الإسلام قال تبارك وتعالى: ﴿قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ ﴾5  إن يَنْتَهُوا أىْ عَنِ الكفر بالدخول فِى الإسلام إن خرجوا عن الكفر
فدخلوا فِى الإسلام غُفِرَ لهم كفرهم فالكفر لا يُغفر إلا بهذا لا يُغفر بقول أستغفرُ اللهَ لا يُغْفَرُ بالتَّصَدُّقِ لا يغفر بـمـحبة الـمسلـمين ومعاونتهم ومناصرتهم ضد الكفار مهما ساعد الكافرُ الـمسلـمين وقاتلَ معهم وبَذَلَ مُهْجَتَهُ فِى نُصْرَةِ الـمسلـمين وقُتِلَ فهو لا يُغفر له كفرُهُ إلا بالدخول فِى الإسلام. فبدعةُ الضلالةِ مثلُ بدعة الـخوارج فِى الاعتقاد ولأنهم اعتقدوا اعتقادًا يـخالِفُ كتاب الله خالفوا قوله تعالى: ﴿وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ6، وخالفوا الأحاديثَ النَّبَوِيَّةَ ومِن جُمْلَتِهَا حديثُ عُبَاَدَة بنِ الصَّامِتِ الذِى رواه البخارىُّ وغيرُهُ أنه صلى الله عليه وسلـم قال: "بايِعُونِى على أنْ لا تُشْرِكُوا بالله شيئًا ولا تَسْرِقُوا ولا تَزْنُوا ولا تَقْتُلُوا أولادَكُم ولا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وأَرْجُلِكُمْ فَمَنْ وَفِى بِذَلِكَ فَأَجْرُهُ على اللهِ ومَنِ انْتَهَكَ شيئًا مِن ذلِك فأمرُهُ إلى اللهِ إن شاءَ عَفَا عنهُ وإن شاءَ عاقَبَهُ"7 ا.ه
قال فبَايعْناهُ على ذلك. ا ه   
هذا الـحديثُ أيضًا صَرِيـحٌ فِى أنَّ مَن ارْتَكَبَ الزّنَى أو السرقة أو الـقتل ظُلْمًا أو فَعَلَ نحوَ ذلك ثم ماتَ ولـم يَتُبْ فإنه تحتَ الـمشيئةِ إنْ شاءَ الله يَعْفُو عنه أى لا يُعَذّبُهُ على هذا الذنبِ وإنْ شاءَ عَذَّبَهُ. وهناك أحاديثُ كثيرةٌ صِحاحٌ تدلُّ على هذا الـمعنـى أنَّ مُرْتَكِبِى الكبيرةِ أَمْرُهُمْ مُفَوَّضٌ إلى الله تعالى منهم مَن يسامـحهم الله ومنهم من يعذبه الله وبدعةُ الـخوارج هذه تخالف هذه الأحاديثَ كلَّها، فذلك أى بدعتُهم مِن جُملةِ ما يدخل تحت قول النبىّ صلى الله عليه وسلـم: "وكلّ بدعةٍ ضلالةٌ" لأنهم أَحْدَثُوا ما لا يُوافِقُ كتابَ اللهِ وسنةَ رسولِهِ.
أما ما أُحْدِثَ ولـم يـخالفْ كتابَ اللهِ تعالى ولا سنةَ نَبِيّهِ وإنْ لـم يكن مَذْكُورًا بعبارةٍ صريـحةٍ فِى الـقرءان والـحديث فذلك لا يُسَمَّى بدعةَ الضلالَةِ بل ذلك بدعةُ هُدًى لِفَاعِلِهَا ثوابٌ عندَ الله وذلك مِثْلُ الاحتفالِ بِمَوْلِدِ الرسول فِى شهر ربيعٍ صلى الله وسلـم على رسوله فهذا أُحْدِثَ بعدَ الرسولِ صلى الله عليه وسلـم فِى حدودِ الـقرنِ السابِع أُحْدِثَ هذا، أَوَّلُ مَن أحدثَهُ مَلِكٌ كان يَحْكُمُ إِرْبِلَ، أَحْدَثَهُ حُبًّا فِى نَبِىّ الله تعالى تشريفًا وتكريمًا وإظهارًا لِفَرَحِهِ برسول الله صلى الله عليه وسلـم لِظُهُورِهِ إلى الدنيا فِى مثلِ ذلك الوقتِ ووافَقَهُ العلـماءُ على هذا مِن مُحَدّثِينَ وفقهاءَ وصوفِيَّةٍ، ما أَحَدٌ منهم خالَفَه كلُّهم وافقوه حتى إنَّ مِن الـمـحدّثين الـحفاظِ مَن أَلَّفَ له كتابًا فِى الـمولد سماه "التَّنْوِيرَ فِى مولِدِ البَشِيرِ النَّذِيرِ" ولا يُعلَمُ فِى علـماء الإسلام أو حفاظ الـحديث أحدٌ اسْتَنْكَرَ ذلك حتى هذا الـحافظُ الـمُلَقَّبُ بأمير الـمؤمنين فِى الـحديث وخاتـمةِ الـحُفّاظِ ابنُ حجر العسقلانـى أقرَّ ذلك. هذا من جملة بدع الـهُدى التِى هِىَ ليست داخلةً تحت قوله عليه الصلاة والسلام: "وكلٌّ بدعةٍ ضلالةٌ".
كذلك أشياءُ كثيرةٌ مِن جُملتها أَحَدُ الأذانين قبل صلاة الـجمعة الذِى كان أحدهما هو الأذانَ الـمعمولَ به فِى عهد الرسول وفِى عهد أبى بكر وفِى عهد عمر فاستحدثَ عثمانُ بنُ عفانَ أذانًا ثانِيًا فهذا العمل الذِى عمله عثمان بن عفان أُحْدِثَ بعد الرسول لكنه ليس مما ذَمَّهُ رسول الله صلى الله عليه وسلـم ولا يَدْخُلُ تحت قوله عليه الصَّلاة والسَّلام: "وكلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ".
كذلك لا يدخل ما أحدثه علـماءُ الـحديث فِى إملاء الـحديث، لهم عادةٌ اتخذوها واستحبوها وذكروها فِى كتب الـمصطلح فِى كتب اصطلاح الـحديث، استحدثوا أمرًا وهو أنه فِى مجلس الإملاء يُبَسْمِلُ الـمُمْلِى ويـحمد الله ويُثْنِى عليه ويُصَلّى على نبيّهِ ثم يقرأ شيئًا من الـقرءان بقراءة قارئٍ حسنِ الصوت ثم يُقال بعد ذلك ما ذَكَرْتَ رَحِمَكَ اللهُ يـخاطب الـمُسْتـملِى أى الـمُبَلّغُ يُخاطِبُ الـمُمْلِى أىِ الـمُحَدّثَ الذِى يُمْلِى يقول هذا الـمُسْتـملِى مخاطبًا له ما ذَكَرْتَ رحمك الله فيبدأ الـمُمْلِى بسردِ الإسنادِ والـحديثِ، علـماءُ الـحديث قالوا فِى كتبهم فِى كتب الـمصطلح إنَّ هذا شىءٌ مُسْتَحَبٌّ ولـم يكن فِى عهد الرسول ولا الصحابة ولا التابعين لكنْ هذا شىءٌ موافقٌ لـما جاء به الرسول وجاء به الكتاب والسنة ليس مما يـخالف فَنَعُدُّ هذا بدعةَ هُدًى لا نَعُدُّهُ بدعةَ ضلالةٍ.
وهناك بِدَعُ ضلالةٍ لكن ليس إلى حَدّ التحريم بل هى أقلُّ مِن التحريم مِثْلُ ما استحدثه بعض الناس وهو أنهم يَكتبون عند ذكر النبىّ صلى الله عليه وسلـم صادًا مجردَةً بدلًا عن كلـمة صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّـم، وأما كتابة صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّـم فهى بدعة مستحسنةٌ، ما كان الصحابة يكتبون عند ذكر اسم رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلـَّم كلـمة صلى الله عليه وسلـم، ما كانوا يكتبون، ما ثبت عن صحابىّ قَطُّ إنـما هذا شىءٌ استحدثه أهل العلـم أهل الـحديث استحدثوه وَرَأَوْا ذلك موافقًا لـما جاء به كتاب الله وسنة نبيه لـم يَرَوْهُ مخالفًا فَاسْتَحَبُّوا ذلك، أىُّ كتاب من كتب الـحديث تجدون فيه مع اسم الرسول كلـمة صلَّى اللهُ عليهِ وسلـَّم أليس هذا مما عُلِمَ وشاع أنَّه موجودٌ فِى كتب الـحديث ألا ترون كتابةَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلـَّم عند ذكر اسم الرسول يُتْبِعُونَ كلـمةً عن النبى صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّـم، هذا ما كان أيامَ الرسولِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّـم إنـما العلـماءُ استحدثوه فهل نقول هذا دخل تحت قول الرسول:"كل بدعة ضلالة"، لا، وماذا يكون حكم من يقول عن هذا إنها ضلالة ماذا يكون إذا احتج بأن هذا لـم يفعله الرسول ولا الصحابة إذا احتج بهذا فأنكر ما يكون حكمه أليس يكون شاذًّا كذلك الذِى يُنْكِرُ عملَ الـمولدِ الاحتفالَ بـمولد الرسول أو ينكر الـجَهْرَ بالصلاة على النبىّ عَقِبَ الأذان بصوت الأذان هذه أيضًا بدعةُ هُدًى ليست بدعة ضلالة، فَمَنْ يرى عمل الـمولد والـجهر بالصَّلاة على النَّبِىّ بعد الأذان بدعة ضلالة فهو مردودٌ عليه قولُهُ. وقد حصل فِى دمشق قبل ثلاثين عامًا تقريبًا أنه أُذّنَ فِى مسجد يُسَمَّى مسجدَ الدَّقَّاقِ وأَعْقَبَ الـمؤذّنُ الأذان بالصَّلاة على النبىّ جهرًا فقال بعض الوهابية الـموجودين فِى صحن الـمسجد هذا حرامٌ هذا مثلُ الذِى يَنْكِحُ أُمَّهُ فصار شِجارٌ شديدٌ وضَرْبٌ بينهم وبين مخالفيهم ثم رُفِعَ الأمرُ إلى مفتِى ذلك الوقت أبو اليُسْرِ عابدِين فاستدعَى رئيسَ الوهابية فهدَّدَهُ بالنَّفِى والطَّرْدِ إنْ عاد إلى مثل هذا ورسم عليه أن لا يُدَرّسَ بالـمرة، رَسَمَ عليه الـمُفْتِى أبو اليُسر رحمه الله أن لا يُدَرّسَ وهَدَّدَهُ بالنَّفِى من سورية.
مِن خُبْثِهِم جعلوا الصَّلاة على النبىّ جهرًا عقب الأذان على الـمئذنة كزِنَى الشخص بأمه ويقولون نحن أهلُ الـحديث أهل الكتاب والسنة.
هى الصَّلاة على النبىّ واردةٌ لكن الـجهر بها بصوت عال بصوت الأذان ما نُقِلَ لنا عن عهد الرسول والصحابة والتابعين وأتباعِ التابعين إنـما استُحدِثَ بعد سنة سبعمائة هجرية فَقَبِلَهُ العلـماءُ مِن الـمُحَدّثِينَ والصوفيةِ والفقهاءِ كلُّ الـمسلـمين قبلوه إلا هؤلاء الوهابية يزعمون أن هذا داخل تحت قول الرسول: "وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فِى النَّار"8 اهـ أليس قال الرسول صلى الله عليه وسلـم: "إذا سَمِعْتـم الـمؤذّنَ فَقُولُوا مِثْلَمَا يَقُولُ ثمَّ صَلُّوا علَىَّ"9 اهـ أليس مرَّ الـمؤذن على كلـمة أشهد أنَّ مـحمَّدًا رسول الله ثم أنهى الأذان هذا ذَكَرَ النبىَّ فإذًا مطلوبٌ منه أن يُصَلّىَ على النبىّ لأنه ذَكَرَهُ فمطلوبٌ منه أن يصلّىَ عليه فإذا عَمِلَ بـحديثِ رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلـم أَىُّ بأسٍ عليه فِى ذلك إنْ جَهَرَ وإنْ أَسَرَّ وإنْ جَهَرَ بصوتِ الأذانِ أىُّ مانِعٍ فِى ذلك كيف استجازوا أن يـجعلوا هذا مثل الزّنَى بالأم كيف ساغ لهم أن يـجعلوا الـجهرَ بالصَّلاة على النبىّ عَقِبَ الأذانِ كالزّنَى بالأم هل قال النبىُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلـَّم لا تُصَلُّوا عَلَىَّ جهرًا  هل قال ذلك هل يَجِدُونَ ذلك فِى حديثٍ ولو حديثٍ ضعيفٍ أو موضوعٍ لا يـجدون، لا يـجدون فِى حديث موضوع أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلـم قال لا تُصَلُّوا عَلَىَّ جهرًا ولـمَّا قال حديثَهُ هذا الذِى ورد فيه إجابةُ الـمؤذن "إذا سَمِعْتـم الـمُؤَذّنَ فقولوا مثلـما يقولُ ثم صَلُّوا عَلَىَّ" اهـ ما قال سِرًّا ما قال ثم صَلُّوا علىَّ سِرًّا ما قَيَّدَ الصَّلاة عليه بأن تكون سِرًّا بل أطلق فإذًا لنا رخصةٌ إن شئنا نُسِرُّ وإن شِئنا نجهر والـمؤذن له رخصة لأنّ النبىَّ عليه الصَّلاة والسَّلام حين قال مَنْ ذَكَرَنِى فَلْيُصَلّ عَلَىَّ ما قَيَّدَ ذلك بأن يكون سِرًّا بل أطلقه نحن نعمل بإطلاقه ولو لـم يَبْلُغْنَا بأنَّ أحدًا مِن مُؤَذّنِى رسولِ الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّـم جَهَرَ بالصَّلاة على النبىّ عَقِبَ الأذان كما نحن نجهر، لو لـم يبلغنا ذلك لكنه هو عليه الصَّلاة والسَّلام ما قيَّد هذا الأمر بأن يكون سِرًّا نأخذ بالإطلاق وذلك من رحمة الله الواسعة.
والعياذ بالله من أين جاءوا بهذا الفكر الـخبيث بأن يـجعلوا هذا الأمرَ الذِى ما فيه كراهيةٌ فضلًا عن الـمعصية مِثْلَ الزّنَى بالأم من أين جاءهم هذا الـخاطِرُ الـخبيث.
الـحاصل أنَّ ما أُحْدِثَ وكان لا يـخالف الكتاب والـحديث ولا الإجماع ولا الأثر ثم رَءَاهُ العلـماءُ موافِقًا لـما جاءَ به الرسولُ فهو بدعة حسنة ويقال بدعة مستحبة وقد سَمَّى عمرُ بن الـخطاب رَضِىَ الله عنه اجتـماعَ الناس على قيام رمضان بعد أن ثَبَتَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلـم أنه لـم يـخرج إلى الناس بعد أن كان خرج إليهم ليلتين فصلَّوْا خَلْفَهُ جماعةً ترك الـخروجَ إليهم وقال لهم فِى ذلك: "إنّى خَشِيْتُ أنْ يُفْرَضَ عليكم"10 اهـ عمر بن الـخطاب بعد ذلك جمع الناس فِى عهده فِى خلافته جمع الناس أولًا على إحدى عشْرة ركعةً ثم على عشرين ركعةً سوى الوترِ وهذا الأمرُ الأخيرُ أىِ العمل الأخير من عمر ابن الـخطاب أنه جمع الناس على العشرين فلـم يُنْكِرْ عليه أحدٌ من الصحابة بل كلُّهم رَضُوا بذلك ولـم يـخالِفْ أحدٌ منهم، ثم قال عمرُ رَضِىَ الله عنه: "نِعْمَتِ البِدْعَةُ هذه والتِى تَنامون عنها أَفْضَلُ"11 اهـ الـمعنـى اجتـماعُكُم فِى أول الليل على قيام رمضان شىءٌ حسنٌ نِعْمَتِ البدعةُ هذه والتِى تَنامون عنها أَفْضَلُ أى ولو صَلَّيْتـموها فِى ءاخِر الليل كان أفضلَ.
مَدَحَهَا مَدَحَ هذه الفعلة التِى فَعَلَهَا ما ذَمَّها ما قال هذا شىءٌ قَطَعَهُ الرسولُ فكيف أنا أفعل بخلاف عادته، ماخَشِىَ أن يكون ذلك بدعةَ ضلالةٍ بل رأى ذلك بدعةً حسنةً فقال: "نِعْمَ البدعةُ هذه والتِى تَنامون عنها أفضل". وهذا رواه البخارى فِى صحيـحه.
انتهى والله سبـحانه وتعالى أعلـم.
------------------

1- رواه مسلمٌ باب تخفيف الصلاة والخطبة.
2- رواه النسائي في السنن الكبرى باب الغضب عند الموعظة والتعليم إذا رأى العالم ما يكرهه.
3- رواه البيهقي في الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد باب ذكر الاسماء التي رويناها على طريق الإيجاز.
4- سورة النساء/الآية (48).
5- سورة الأنفال /الآية (38)
6- سورة النساء/ الآية (48).
7- رواه البخاري في صحيحه باب علامة الإيمان حبّ الأنصار.
8-  رواه النسائي في سننه باب كيف الخطبة.
9- رواه مسلـم في صحيحه باب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه.
10- رواه البخاري في صحيحه باب تحريض النَّبِيّ على صلاة النفل.
11- رواه مالك فِى الـموطإ باب ما جاء في قيام رمضان.


جامع الخيرات
الجزء الثاني

قائمة جامع الخيرات 2