من كتب العلّامة الهرري كتاب جامع الخيرات - الجزء الثاني
 الفرض العينِىّ والفرض الكفائىّ

الدرس الثامن والعشرون
الفرض العينِىّ والفرض الكفائىّ

جامع الخيرات - الجزء الثاني

جامع-الخيرات
درس ألقاه الـمـحدث الشيـخ عبد الله بن مـحمَّد العبدرىّ رحمه الله تعالى فِى بيروت وهو فِى بيان الفرض العينـى والفرض الكفائى.
قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً:
الـحمد لله رب العالـمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الـحسن صلوات الله البر الرَّحيم والـملائكة الـمقربين على سيِّدنا مـحمَّد أشرف الـمرسلين وحبيب رب العالـمين.
أما بعد فقد ورد فِى صحيـح البخارىّ ومعجم الطبرانـىّ الكبير بالإسناد الـمتصل من حديث أبِى هريرة عند البخارىّ ومن حديث حذيفة بن اليمان عند الطبرانـىّ أنّ نبِىّ الله صلى الله عليه وسلـم قال عن ربه: "مَنْ عَادَى لِى وَلِيًّا فَقَدْ ءَاذَنْتُهُ بِالـحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِى بِشَىْءٍ أَحَبَّ إلَىَّ مِمّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ"1 اهـ
هذا الـحديث دليل على أنّ العناية بـما افترض الله على عباده خيرٌ من العناية بالنوافل التِى لـم يفترضها عليهم فإهمال جانب الفرائض والانشغال بالنوافل من
 علامات الغرور لذلك قال الـحافظ ابن حجر رحمه الله فِى شرحه فِى البخارىّ قال بعض الأكابر مَنْ شَغَلَهُ الفرضُ عن النفل فهو معذور ومن شغله النفل عن الفرض فهو مغرور اهـ فمن علامة الـمفلح أن يكون اهتـمامه بـما افترض الله عليه واعتناؤه بذلك فوق اعتنائه بالنوافل.
ومما افترض الله على عباده تعلـم العلـم الدينـىّ الضرورىّ هذا الذِى فرضه الله على كل بالغ عاقل، كلُّ مَن بَلَغَ وكان بصفة العقل فهو مسؤول يوم الـقيامة عن تعلـم علـم الدين الضرورى لأن علـم الدين قسمان قسم يـجب على كل مكلف أى بالغ عاقل تعلـمه فمن لـم يتعلـمه فهو عاصٍ فاسقٌ وهو ما يتعلق بـمعرفة الله ورسوله وسائر أصول الدين وما يتعلق بالصلاة أى الصلوات الـخمس وصيام رمضان هذا فرض عين لا يستغنـى أحد من الـمكلفين عنه، كذلك معرفة أعمال الـقلوب لأن الـقلب له أعمال منها ما هى عبادات تُقَرّبُ إلى الله ومنها ما هى معاص تُبْعِدُ من الله. ثم مِنَ الذِى هو فرضٌ معرفته على كل مكلف الـمعاصى التِى تتعلق بالعين واللسان والأذن واليد والرجل والبطن ونحو ذلك فمن هنا فرضٌ على كل مكلف أن يعرف التفرقة بين الـمال2 الـحلال الواصل إليه من الـمال الـحرام لأن الإنسان يصل إليه مال حلال ومال حرام فإذا لـم يعرف ما هو الـمال الـحلال فِى الشرع وما هو الـمال الـحرام فِى شرع الله يقع فِى استعمال الـمال الـحرام.
هذا هو العلـم الضرورىُّ الذِى لا يـجوز لأحد من البالغين العاقلين الـجهلُ به هذا الذِى من لـم يتعلـمه يكون مؤاخذًا فِى الآخرة معاقبًا لأن السؤال فِى الآخرة يوم الـقيامة كما ورد فِى جامع الترمذىّ عن نبِىّ الله صلى الله عليه وسلـم أنه قال: "لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الـقِيَامَةِ حَتَّى يُسْئَلَ عَنْ عُمرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَه وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ" 3 اهـ
الـمال فيه مسؤولية كبيرة فِى الآخرة من أين أخذت هذا الـمال من حلال أم من حرام وفيما صرفت هذا الـمال فِى حلال أم فِى حرام. حسبنا الله ونعم الوكيل حسبنا الله ونعم الوكيل.
وأما الـقسم الآخر من علـم الدين فهو فرضُ كفايةٍ أى أنه يـجب على بعض الـمسلـمين بـحيث تحصل بهم الكفاية وهو ما زاد على ذلك من علـم الدين. فرضُ الكفاية هو العلـم الذِى يستطيع الشخص أن ينفع به غيره. هذا هو الـقدر الذِى هو فرض على بعض الـمؤمنين لا على جميع الـمكلفين فهو العلـم الذِى يزيد على حاجات هذا الشخص لنفسه وهو الـقدر الذِى يـحتاج إليه ليصلح الشخص لأن يفتى غيره، الـقدرُ الذِى يُحتاج إليه للحادثات التِى تحدث للناس، تحصل فِى الصلاة مسائلُ وفِى الزكاة وفِى الـحج وفِى النكاح وفِى الطلاق مسائلُ غيرُ ظاهرةٍ فيـجب أن يوجد فِى الـمسلـمين من يعرف هذه الـمسائل، هذا الـقدر إذا علـمه بعض الـمسلـمين سقط الـحرج عن الآخرين.
ومن هذا العلـم وجودُ أناس يعرفون علـم العقيدة بأصولها وبأدلتها بـحيث يستطيعون الرد على الـمشبهة الـمجسمة الذين يشبهون الله بخلقه وعلى الـمعتزلة الذين يقولون الإنسان هو يـخلق أفعالـه وعلى الـجبرية وعلى الـمرجئة وعلى الـخوارج وعلى الـملحدين الذين لا ينتسبون إلى الإسلام كالدهرية. يـجب أن يُوجد فِى كل بلد من بلاد الـمسلـمين مَن يستطيع الرد على هؤلاء وهذا يتطلب العلـم بالدلائل العقلية زيادة على الدلائل النقلية. وءاخر دعوانا أن الـحمد لله رب العالـمين.
انتهى والله سبـحانه وتعالى أعلـم
------------------

1- رواه البخاري في صحيحه باب التواضعوالطبراني في المعجم الكبير باب عثمان بن أبي العاتكة عن عليّ بن يزيد.
2- قوله (الـمال) ليس الـمراد منه العملة فقط بل كل ما له قيمة مما يُتـملَّكُ يقال له مال.
3- رواه الترمذي في سننه باب في القيامة.


جامع الخيرات
الجزء الثاني

قائمة جامع الخيرات 2