من كتب العلّامة الهرري كتاب جامع الخيرات - الجزء الثاني
 بيان حديث خلق الله ءادم على صورته

الدرس الرابع عشر
بيان حديث خلق الله ءادم على صورته

جامع الخيرات - الجزء الثاني

جامع-الخيرات
   هذا قطعة من درس طويل ألقاه الأصولىُّ الـمـحدث الشيـخ عبد الله بن مـحمَّد العبدرىّ رحمه الله تعالى فِى بيان معنـى حديث خلق الله ءادم على صورته.
قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً:
الـحمد لله والصَّلاة والسَّلام على رسول الله وعلى ءالـه وصحبه الأكرمين.
أما بعدُ فالإنسان يُسَمَّى العالـمَ الأصغرَ، مجموع الكون يسمى العالـم الأكبر أما الإنسان بـما أن الله تعالى شرّفه وإن كان حجمه صغيرًا جعل فيه معانـىَ راقيةً لـم يـجعلها فِى غيره من الـمخلوقات يُسَمّى العالـم الأصغر لكن لا يقال الإنسان صورة مصغرة عن الله لا يقال لا يقال لا يقال، لا مناسبة بين الله وبين أى شىء من خلقه لا الإنسان ولا الـملائكة لو كان الله تعالى يشبه شيئًا من خلقه لأشبه الـملائكة الذين هم خُلِقُوا من نورٍ، النورُ عالِـمٌ لطيفٌ عظيمُ النفع جميلُ الـمنظر ومع ذلك لا مناسبة بين الله وبين الـملائكة، الله تعالى لا يشبه شيئًا لأنه هو أوجد هذه الأشياء اللطيفة والكثيفة، الإنسانُ والنور والظلـمات والروح والـهواء كل ذلك هو خلقه لا يشبه شيئًا من هؤلاء ولا من هؤلاء، لو كان يشبه شيئًا من هؤلاء ما استطاع أن يـخلقهم لكن تشريفًا لابن ءادم الله تعالى أوحى إلى نبيه حديثًا فقال: "إن الله خلق ءادم على صورته"1 أى الصورة التِى هى لله مِلْكًا وخَلْقًا مُشَرَّفَةٌ عنده مُكَرَّمَةٌ، بهذا الـمعنـى قال: "إن الله خلق ءادم على صورته" أى صورة الله بـمعنـى الصورة التِى هى ملكٌ وخَلْقٌ لله تعالى مشرفةٌ عنده، بهذا الـمعنـى الرسول صلى الله عليه وسلـم قال: "إن الله خلق ءادم على صورته" لا بـمعنـى أن الله تعالى له شكلٌ، خالـقُ الأشكالِ كيف يكون له شكلٌ لو كان له شكلٌ لَصَحَّتِ الألوهية للبشر، لصَحَّتِ الألوهية للشمس لصحت الألوهية للقمر لـم تكن الألوهية خاصة لله، لو كان الله له شكل كالإنسان كالشمس والـقمر والكواكب لـم يكن منفردًا بالألوهية دون هذه العوالـم النيرة وغيرها مع ما فيها من بديع الشكل وبديع الـحسن، لو كان الله تعالى يشبه شيئًا منها لصحت الألوهية لغيره كالشمس هذه الشمس نَيّرَةٌ عظيمةُ النورِ عظيمةُ النفع تنفع الإنسان تنفع الأرض تنفع الـجَوَّ تنفع النبات تنفع الـحيوانات تنفع أبدان الناس ومع ذلك لا يـجوز عبادتُها إنـما يُعْبَدُ مَن خَلَقَ هذه الأشياءَ الـمتقابلاتِ كلَّها، خلق النور وخلق الظلـمات، خلق الـمتقابلات، ما هو مقابلُ النورِ الظلـمةُ ما هو مقابل الـحرارة البرودةُ ما هو مقابل البرودة الـحرارة.
ما هو مقابل اليبوسة الرطوبة ما هو مقابل الرطوبة اليبوسة وهكذا سائر الـمتقابلات هو خَلَقَهَا، الذِى خلق هذه الـمتقابلات الذِى لا يشبه شيئًا منها هو الذِى يستحقُّ أنْ يُعبد وهو الله.
حديثُ: "خَلَقَ اللهُ ءادَمَ على صورته" اهـ ثابت لكن بعض الناس يغلطون فِى فهم معناه يأخذون من هذا معنـى الشكل أى أن الله تعالى له شكل كالإنسان قريب إلى شكل الإنسان هذا كفر والعياذ بالله.
انتهى والله سبـحانه وتعالى أعلـم.
------------------

1-رواه البخاري في صحيحه باب بدء السلامِ، ومسلم في صحيحه باب النهي عن ضرب الوجه وغيرهما.


جامع الخيرات
الجزء الثاني

قائمة جامع الخيرات 2