من كتب العلّامة الهرري كتاب جامع الخيرات - الجزء الثاني
 بيانُ الـخمرةِ وحكمها ومفاسدها

الدرس السابع والثلاثون
بيانُ الـخمرةِ وحكمها ومفاسدها

جامع الخيرات - الجزء الثاني

جامع-الخيرات
    درس ألقاه الـمـحدّثُ الفقيهُ الشيـخُ عبد الله بن مـحمَّد العبدرىّ رحمه الله وهو فِى بيان الـخمرة وحكمها ومفاسدها.
قال رحمه الله رحمةً واسعةً:
الـحمد لله رب العالـمين والصَّلاة والسَّلام على نبيه الأمين وعلى ءالـه وصحابته الطيبين الطاهرين.
أما بعد فقد روينا بالإسناد الـمتصل فِى صَحِيـحَىِ الإمامين البخارىّ1 ومسلـمٍ2 من حديث جابِرِ بنِ عبدِ الله رَضِىَ الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلـم: "إنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الـخَمْرِ وَالـمَيْتَةِ وَالـخِنْزِيرِ وَالأصْنَامِ" قيلَ أفرأيتَ يَا رَسولَ اللهِ شُحُومَ الـمَيْتَةِ تُطْلَى بِها السُّفُنُ وتُدْهَنُ بِهَا الـجُلودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِها النَّاسُ قالَ: "لا هُوَ حَرَامٌ" اهـ
هذا الـحديثُ الذِى اتفق البخارىُّ ومسلـمٌ على روايته فيه تحريمُ بيعِ أربعةِ أشياءَ أحدُها الـخمرُ والثانِى الـميتةُ والثالثُ الـخنزيرُ والرابعُ الأصنامُ فهذه الأشياءُ الأربعةُ
 بيعُهَا حرامٌ بتحريمِ رسولِ الله ثم اتفق على ذلك الأئمةُ الـمجتهدون ولـم يـختلف فِى هذا الـحكم اثنانِ مِن الأئمة بل كلُّهم مُتَّفِقُونَ على تحريمِ بيعِ هذه الأشياءِ الأربعةِ.
فأما الـخمرُ فهو ما قالَ عُمَرُ بنُ الـخطابِ رَضِىَ اللهُ عنه: "ما خَامَرَ العقلَ" اهـ3 أى كلُّ ما أَسْكَرَ أو غيَّر العقلَ معَ فَرَحٍ وَطَرَبٍ فهو خمرٌ.
وذلك أنَّ ما يُغَيّرُ العقلَ ثلاثةُ أنواعٍ الأولُ ما يُعْطِى طَرَبًا ونَشْوَةً وهو الـخَمْرُ والثانِى ما لا يُعْطِى طربًا لكنه يُفْسِدُ العقلَ فهذا لا يُسَمَّى خمرًا والثالث ما يُغيّبُ الإحساسَ.
الـخمرُ هو ما يُغَيّرُ العقلَ ويُحدِثُ فِى شاربه نشوةً وطربًا وما ليس كذلك فلا يُسَمَّى خمرًا. هذا هو الـخمرُ الذِى هو مِن أكبر الكبائر أى أكبرُ الـمـحرَّماتِ بعد الـقتل ظلـمًا وعُدْوانًا والزّنَى والرّبَا، بعد هؤلاء الثلاثِ الـخمرُ هو أكبرُ الـمعاصِى.
وأما ما لا يُحدِثُ طربًا ونشوةً لكنه يُفْسِدُ العقلَ فإنه حرامٌ لكنه ليس فِى الـحُرمةِ بـمرتبة الـخمر، فهذه الـمخدّراتُ التِى ليس فيها نشوةٌ وطربٌ وعربدةٌ لا تُسَمَّى خمرًا والكلُّ حرامٌ لكن الـمـحرمات بعضُها أشدُّ من بعضٍ، الـخمرُ هو أشدُّ هؤلاءِ لذلك جعلَ اللهُ على شارِبِها الـحدَّ، وهو جَلْدُ أربعينَ ويـجوزُ أن يَبْلُغَ به الـحاكمُ ثمانينَ.
وَوَرَدَ فِى عقوبة شاربه فِى الآخرة أحاديثُ صحيـحةٌ منها ما رواه مسلـمٌ مِن حديث ابنِ عباسٍ عن النبىّ صلى الله عليه وسلـم: "إنَّ على الله عهدًا لـمن شَرِبَ الـمُسْكِرَ أنْ يَسْقِيَهُ طِينَةَ الـخَبَالِ قيل وما طينة الـخبال يا رسول الله قال عُصَارَةُ أهلِ النار"4 اهـ لكنَّ الناسَ الذين لا يعرفون مراتب أحكام الشرع جعلوا الـخمرَ الذِى هو أشدُّ أقلَّ مِن غَيْرِهِ فِى العقوبةِ بل هم يسمـحون ببيعِ الـخمورِ وشُرْبِهَا مع أنهم يُشَدّدُون فِى بعض أنواع الـمخدّرات التشديدَ البالغَ حتى إن بعضهم كان يقرر حبس خمسٍ وعشرين سنة على شرب الـحشيشة.
هى الـحشيشةُ حرامٌ تدخينُها لكنها أقلُّ من الـخمر، كانتِ الـخمرُ أولَى بتشديد العقوبة فيها لكنَّ هؤلاء ما راعَوْا الشريعة إنـما راعَوْا ما استحدثوه مِن الأحكام لأنفسهم.
ثم إنَّ الـخمرَ يَحْرُمُ قليلُها وكثيرُها أما ما سِواها مِن الـمخدرات فإنّ الفقهاءَ أجازوا استعمالَ الـقَدْرِ الذِى ليس فيه ضررٌ كالأفيون فإنه يدخل فِى الـمعاجِنِ ويُستعمل بـمفرده تداوِيًا لكثيرٍ مِن الأمراضِ، لـم يُحَرّموا هذا الـقدرَ الـقليلَ بخلافِ الـخمر فإنهم حرموا الـقليلَ منه والكثيرَ لقوله صلى الله عليه وسلـم: "ما أَسْكَرَ كثيرُهُ فَقَلِيلُهُ حرامٌ"5ا.ه
فأما تحديدُ الـخمرِ لـمعرفةِ حقيقتها حتَّى يُعرفَ كلُّ ما هو خمرٌ فِى حكم الشرع  بـحيث لا يَخْرُجُ ما كان خمرًا مِنَ الـخمر ولا يَدْخُلُ ما ليس منها فيها فهو أنَّ الـخمرَ هو الشرابُ الذِى إذا شُرِبَ يُسكِر أى يغيّر العقلَ مع نشوةٍ وطربٍ وعَرْبَدَةٍ سواءٌ كان من عصير العنبِ أو من الذُرَةِ أو من الشعير أو من الـحِنطة أى الـقمـح أو من العسل. هذه الأنواعُ من الـخمر كانت فِى الصَّدْرِ الأول أى كانت فِى العهد الذِى نَزَلَ فيه تحريمُ الـخمر على رسول الله صلى الله عليه وسلـم، عندما أُنزل تحريم الـخمر كانت هذه الأنواع مِن الـخمر معروفةً فِى بلاد العرب أما خمر الشعير فكانوا يسمونَهُ الِمزْرَ والآن يسمونه البيرة وأما خمرُ العسلِ فكانوا يسمونه البِتْعَ وإلى الآن خمرُ العسل مستعملٌ فِى الـحبشة لأن العسل هناك كثيرٌ، أكثر الـخمور هناك خمرُ العسل وخمر الذرة والشعير، وهؤلاء الثلاثةُ هى أكثرُ أنواع الـخمر أما خمرُ العنب الذِى هو الـخمر الأصلية فكان فِى الـجزيرة العربية قليلًا بالنسبة إلى التـمر والرُطَب لأن التـمر والرطب كان فِى الـجزيرة العربية كثيرًا فكانوا يَستعملون الـخمرَ منه أكثر مما يستعملون من العنب، العنبُ لا يوجد فِى الـجزيرة العربية إلا فِى الطائف وأمّا ما سوى الطائف فلـم يكن فيها عنبٌ إلا النادر لذلك كان أغلبُ خمرِهم من التـمر والرُّطَبِ وأما التـمرُ فهو معروفٌ يُستعمل كثيرًا وأما الرطب فهو ثمر النخل قبل أن يصيرَ ناشِفًا  يسمى الرطب ثم بعد أن يصير رُطَبًا يـجفف فِى الشمس فيصيرُ تـمرًا وكذلك كانوا يعملون فِى الـجزيرة العربية الـخمرَ من البُسْرِ أيضًا. البسرُ هو قبل الرُّطب. مِن ثمر النخل يكون البُسْرُ ثم الرُّطب ثم التـمرُ فكانوا يعملون الـخمر من هذه الأشياء الثلاثةِ التِى كلٌّ منها ثمر النخل.
فأما متى يصير العصيرُ خمرًا فبيانُ ذلك أنَّ العصير إذا مكث إلى أن يصيرَ فيه نشيشٌ يكون صار خمرًا والنشيشُ هو صوتُ غَلَيَانِ العصير، هذا العصير لـما يُتْرَكُ فيمكثُ مدةَ ثلاثة أيام  فِى البلاد الـحارة أو سبعةَ أيام أو أكثرَ من ذلك فِى البلاد الأقل حَرًّا على حسبِ اختلاف البلادِ والوعاءِ الذِى يوضع فيه العصيرُ يصير فِى هذا الشراب نشيشٌ أى صوتٌ، يَغْلِى مِن غير نارٍ فذلك هو مَبْدَأُ الـخمرية، قبلَ هذا النشيشِ كان حلالًا، كلُّ أنواع الـخمور قبل النشيش حلالٌ ثم مِن وقت النشيش يكون خمرًا ثم لا يزال خمرًا مـحرَّمًا إلى أن تذهب منه قوةُ الإسكار وتصيرُ فيه حموضةٌ حينـما تصير فيه حموضةٌ تكون ذهبت قوةُ الإسكار منه أى لا يصلح للإسكار بعد ذلك لو شرب الواحد كميةً كثيرةً لا يصلح فذلك هو الـخلُّ، هذا الشرابُ حين يصير فيه حموضةٌ يُسَمَّى خَلًّا ويكون طاهرًا حلالًا طيّبًا نافعًا، وقبل الغليان الذِى هو النشيشُ كان طاهرًا حلالًا، ثم بعد النشيش يصير خمرًا حرامًا ثم بعد الـحموضة يصير خلًّا حلالًا طاهرًا.
هذا الشرابُ الذِى يُسَمَّى الـخمرَ مِن أَىّ نوعٍ كان حكمُهُ أنه يَحْرُمُ بيعُهُ كما يَحْرُمُ شراؤه. ولا يـجوز بيعُ الـخمر للكافر ولا هِبَتُهُ ولا أنْ يُهْدِىَ الكافرَ خمرًا كما لا يـجوزُ إهداءُ الـمسلـمِ خمرًا، لا فَرْقَ فِى ذلك، هذا مِن كبائر الذنوب وهذا من كبائر الذنوب هذا ملعونٌ وهذا ملعونٌ. حتى فِى البلاد التِى فيها مسلـمونَ وكفارٌ والـحاكِمُ فيها مسلـم لا يـجوز أنْ يُعْطِىَ فيها الرخصةَ للكفار لاستيراد الـخمر أو تصديره، حتى إنَّ أهلَ الذّمَّةِ كانوا فِى الـماضِى يُمْنَعُونَ مِن إظهارِ بيعِ الـخمر، الـخليفةُ كان يعاقِب مَن أظهر منهم الـخمرَ وكذلك كان يعاقِب من أظهرَ بيعَ الـخِنزير حيًّا أو بيعَ لحمِهِ، كانوا يُمنَعون فِى الوقت الذِى كانوا فيه ذِمّيّينَ. ولقد ذُكرَ لى أنَّ رجلًا يَتَّسِمُ بصورة أهل العلـم كان فِى رحلةٍ إلى بعض البلاد الإسلامية فَاسْتُفْتِىَ فِى جواز الرخصة للكفار فِى استيراد الـخمر فأجاب بأنه يـجوز أن يُرَخَّصَ لهم، هذا شأنُ مَن لا يَتَّقِى اللهَ ولا يُبالِى إنْ كَفَرَ أو أصابَ إنَّما همُّهُ الـمالُ.
فتَلَخَّصَ لنا أنَّ الـخمرَ لا يـجوز بيعُها ولا إهداؤها وكذلك لا يـجوزُ أكلُ ثَمَنِها فَمَنْ أُعْطِىَ مِن ثَمَنِ الـخمر التِى بِيعَتْ به الـخمرُ شيئًا فَعَلِمَ ذلك أنه مِن ثمن الـخمر يقينًا حَرُمَ عليه أنْ يَقْبِضَ الـمالَ لو كان عن دَيْنٍ له على شخصٍ كافِرٍ.
وأمّا مفاسدُها أى الـمفاسد التِى توصِل إليها الـخمرُ فهى كثيرةٌ لا تُحْصَى يَكْفِى فِى ذلك أنَّها تجرّئُ على الزنَى بالـمَحْرَمِ وغيرِ الـمَحْرَمِ وَتُجَرّئُ على قتلِ الصدِيقِ وغيرِ ذلك. رَوَيْنَا فِى صحيـح ابن حبانَ مرفوعًا إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلَّم: "أنَّ عابِدًا مِن العُبَّادِ فيمنْ كانوا قبلَ هذه الأمةِ عَشِقَتْهُ امْرَأةٌ فَبَعَثَتْ إليهِ لِيَأْتِيَها إلى دارِها للشهادَةِ قالت ائْتِنَا لِتَشْهَدَ لنا شَهَادَةً فَحَضَرَ فكانَ كلَّما دَخَلَ بابًا أُغْلِقَ هذا البابُ دونَهُ حتى وصلَ إلى امرأةٍ جميلةٍ عندها غلامٌ ووِعاءُ خمرٍ فقالت له إنَّا لـم نَدْعُكَ لشهادةٍ ولكن دَعَوْتُكَ لتقتل هذا الغلام أو تَقَعَ عَلَىَّ أو تشرب من هذا الـخمر فإنْ أَبَيْتَ فَضَحْتُكَ فأَبَى ورأى أنَّ شُرْبَ الـخمرِ أَخَفُّ عليه فشربَ فاستزادَ حتى سَكِرَ فوقعَ عليها6 وقتل الغلام.
ومِن مفاسدِ الـخمر ما رويناهُ بالإسنادِ الصحيـح أنَّ عَلِىَّ بنَ أبِى طالبِ رضى الله عنه قال: "كان الـمجوسُ لهم كتابٌ وعِلْمٌ يَدْرُسُونَهُ ثمَّ إنَّ مَلِكَهُم شَرِب الـخَمْرَ فَسَكِرَ فوقع على أختِه ثم لـما صَحَا تَكَلَّمَ فِى ذلك بعضُ الناس الذين شعروا بـما وقع منه فجمعَ الناسَ فقال لهم: أَتَرْغَبُونَ عن سُنَّةِ أبيكم ءادمَ كان يُزَوّجُ بَنِيهِ مِن أخَواتِهِمْ فأطاعه قسمٌ وخالفَهُ قسم فقَتَل الذين خالَفُوهُ فرُفِعَ كتابُهُم"7 اهـ كانوا مسلـمين وكان لهم كتابٌ سماوى، لكنهُ بسبب الـخمر طَغَى مَلِكُهُم، فزنـى بأُختِهِ فأراد أن يَمْشِىَ هذا الأمرُ أى زواجُ الأخِ بأخته فِى رَعِيَّتِهِ فاحتالَ عليهم فمَوَّهَ بقوله إن ءادم كان يُزَوّجُ بنيه من أخواتِهِم فلـمّا حصل ذلك أُسْرِىَ بكتابهم أى رُفِعَ ذلك الكتابُ من بينهم فصاروا يعبدون النار ويقولون إنَّ العالـمَ بتدبير النورِ والظُّلْمَةِ وأحيانًا يقولون الـخيرُ بخلقِ الله والشرُّ بخلق الشيطان،  يقولون الشرُّ أى الـمعاصى بتدبير الشيطان يكونُ ليس بخلق الله، يقولون الله ليس خالـقًا للشرّ إنـما الشرُّ يوجد بخلق إبليس بخلق الشيطان فصاروا كَفَرَةً يعبدون النار ويتزوجون أخواتهم، إلى يومنا هذا يتزوجون أخواتِهِم، بل يتزوجون بناتِهم. هذه الـمفسدةُ سببُها الـخمرُ فكيف تتساوَى الـخمرةُ والـحشيشةُ. الـخمر مِفتاحُ كل شرٍّ كما جاء فِى الـحديثلكن الناس الذين تركوا شريعة الله يُحَبَّبُ إليهم مُحدثاتُ الأمورِ أى الأمور التِى يستحدثها الناس مِن أفكارهم الناقصة تُحَبَّبُ إليهم لأنهم ابتعدوا مِن سُنَّة الرسول صلى الله عليه وسلـم فلـمَّا ابتعدوا مِن سُنَّة الرسول صلى الله عليه وسلـم حُبّبَ إليهم أن يعملوا شرائع من عند أنفسهم مثل هذه الـخصلة أنهم يسمـحون ببيع الـخمور ولا يُعاقِبون شاربيها ويُعَذّبون شاربَ الـحشيشة خمسة وعشرين سنة. الـحشيشةُ وإن لـم تكن من الصغائر بل من الكبائر لكن بينها وبين شرب الـخمر فرق كبير.
أما خمرة الشعير التِى يسمونها البيرة فالفرق بينها وبين خمر العنب أن خمرَها أى خمرَ الشعير طبعُها باردٌ أما خمر العنب فطبعها حارٌ، خمرةُ الشعير تُرْوِى العطشان كذلك خمرة الذرة تُروِى العطشانَ وأما خمرة العنب فإنها تزيدُ العطشان عطشًا ولا تُرويه لذلك لا يـجوز للإنسان الذِى دَبَّ به العطشُ أن يشرب خمرَ العنبِ وما فِى معناها لأنَّ الـخمورَ التِى طبعُها حارٌّ لا يـجوز شُرْبُها للعطشان مهما بلغ به العطشُ لو خاف أن يموت من شدة العطش لا يـجوز أن يشرب خمرة العنب لأنها لا تزيده إلا عطشًا فلِأَىّ فائدةٍ يشربها ليس فيها فائدةٌ للعطشان. العطشان يـجوز أن يشرب من خمر الشعير وخمر الذرة الـقدرَ الذِى يُنْقِذُ به نفسه.
أما التداوِى بالـخمر فقد اختلفَ العلـماء فِى ذلك فقال بعضٌ منهم: لا يـجوز التداوِى بالـخمر إنْ وَجَدَ ما يقوم مقامها من الأدوية الطاهرة وإن لـم يَجِدْ دواءً طاهرًا وهذا أحدُ الـقولين للأئمة وهناك قولٌ ثانٍ أنه يـجوز التداوِى بها إذا أخبره طبيبٌ مسلـمٌ ثِقَةٌ بأنه ليس له دواءٌ إلا هذه الـخمرة قالوا فِى هذه الـحالة يـجوز له أنْ يتداوى بها إذا أخبره طبيب مسلـم ثقة ليس من هؤلاء الـمسلـمين الذين لا يُبالون إنْ غَشُّوا الناس أو نصحوهم إنـما إذا أخبره طبيب مسلـم ثقة أى دَيّنٌ يعرف الـحلال والـحرام قالوا يـجوزُ أنْ يتداوَى بها فِى هذه الـحال أى إذا لـم يـجد دواءً ءاخرَ طاهِرًا يَتداوَى به.
أمَّا الـمَيْتَةُ فهى ما زالت حياتُها بدون ذكاةٍ شرعيةٍ كالبهيمة التِى تـموتُ بـمرضٍ أو البهيمةِ التِى يَذْبَحُهَا مَن لا تَحِلُّ ذبيـحتُهُ كالدرزِىّ والـمجوسِىّ والشُّيُوعِىّ وغيرِ ذلك.
الشُّيُوعِىُّ الذِى يقول نظامُ الإسلامِ غيرُ صحيـحٍ إلا نظامُ الاشتراكِيَّة هذا الشيوعِىُّ الكافرُ لا تجوزُ ذبيـحتُهُ ولا يـجوز إنكاحُهُ الـمسلـمةَ فلذلك البلاد التِى كان الـمسلـمون فيها كثرةً ثم انقلبوا شيوعيةً أو لـم يبقَ فيهم مِن الـمسلـمين إلا الـقليلُ اللحومُ التِى تَرِدُ مِن تلك البلاد لا يـجوزُ أكلُها ولا بيعها ولا شراؤها لأنها مَيْتَةٌ فالتِى تـموتُ مِن غيرِ ذبـحٍ والتِى تـموتُ مِن ذَبْحِ هذا الشيوعِىّ أو الدرزِىّ كلٌّ مَيْتَةٌ هذا ميتةٌ وهذا ميتةٌ.
أما إذا عَلِمْنَا أنَّ هناك شركةً أصحابُها مسلـمونَ ويَذْبَحُونَ الذبائحَ على الطريقة الشرعية الإسلامية إذا عَلِمْنَا ذلك يـجوز أنْ نأكلَ منها أما إذا لـم نعلـم وكان الأمر مُشْكِلًا علينا هل ذبـحت الذبائح على الطريقة الشرعية الإسلامية أو لا فلا يـجوز أنْ نأكلَ مِن تلك اللحومِ. أما ما يذبـحُهُ الـمسلـمُ بالطريقة الشرعية فهو حلالٌ وكذلك ما يذبـحه النصرانِىُّ أو اليهودِىُّ مع كونهما كافِرَينِ فإنه يـجوز أكلُ ذبائحهما لأنَّ الله تعالى رَخَّصَ لنا فِى ذلك مع كُفْرِ الفريقين اليهودِ والنصارَى فالله تعالى أحلَّ لنا مع كفرهم أنْ نأكلَ ذبائحَهم إنْ ذبـحوها مِن غيرِ ذِكْرِ اسمِ الـمسيـح ولا الصليبِ أى إذا لـم نعلـم هل سُمّىَ اسمُ الـمسيـح أو سُمّىَ اسمُ الله يَحِلُّ لنا أنْ نأكلَ منها وأما إنْ عَلِمْنَا أن الذابـح قال بِاسْمِ الصليبِ عند الذبـحِ فعندئذٍ نَعْتَبِرُها مَيْتَةً لو كانت كَيْفِيَّةُ ذَبْحِهِ كَذَبْحِ الـمسلـمين وهو أنْ يقطع مَجْرَى النَّفَسِ ومَجْرَى الطعامِ والشرابِ بشىءٍ له حَدٌّ. فذبيـحةُ النصرانـىّ إنـما تَحْرُمُ إذا سُمّىَ الـمسيـحُ أو الصليبُ.
انتهى والله سبـحانه وتعالى أعلـم.
------------------

1- رواه البخاري في صحيحه باب بيع الميتة والأصنام.
2- رواه مسلم في صحيحه باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام.
3- رواه البخاري في صحيحه باب قوله: {إنَّ الخَمْرَ والْمَيْسِرُ والأنْصَابُ والأوْلامُ رِجْسٌ مِن عَمَلِ الشَّيْطانِ}، ورواه مسلم في صحيحه باب في نزول تحريم الخمر.
4- رواه مسلم في صحبحه باب بيان أن كل مسكر خمر وأن كل خمر حرام
5- رواه ابن حبان في صحيحه باب ذكر الخمر  المُدْحِضِ قول من أباح شرب القليل من المسكِرِ ما لم يُسْكِر.
6- رواه ابن حبان فِى صحيحه فِى ذكر ما يـجب مجانبته من الخمر على الأحوال.
7- رواه عبد الرَّزَّاق في مصنفه باب أخذ الجزية من المحوس.


جامع الخيرات
الجزء الثاني

قائمة جامع الخيرات 2